التطهر.. آخر أسرار الهيكل

pJAjSmh4KyI

مثلما كانت الرحلة هي الكنز في رواية الخيميائي  ساحر الصحراء لباولو كويلو : من أكثر الروايات مبيعا في العالم أجمع ، كان التطهر هو الكنز في رواية آخر أسرار الهيكل لبول سوسمان.

    بول سوسمان كاتب وصحفي وعالم آثار انجليزي ، صُنفت كتاباته من الأكثر مبيعا في العالم ، أشهر أعماله : الواحة الخفية، متاهة أوزوريس، جيش قمبيز المفقود وغيرها ؛ تنتمي رواياته لنوعية الأدب البوليسي أو التشويقي ويتميز دائما بتفرد الأماكن التي تدور فيها الأحداث  فهي دائما ماتستلهم أماكن خاصة وساحرة في الشرق وبالأخص في مصر .

    تدور أحداث رواية : آخر أسرار الهيكل حول البحث عن كنز يهودي قديم، من خلال ثلاثة شخصيات رئيسية وهي : يوسف خليفة وهو ضابط مصري ، آرييه بن روي  ضابط إسرائيلي ، وليلى مدني صحفية فلسطينية  ؛ تتشابك مصائرهم من خلال العمل حتى يجد كل منهم ضالته.

فرغم تأكيد الكاتب على شيطانية الشر وكيف أنه يتبعه كراهية وعنفا وغضبا لايختفي عبر الأجيال، متمثلا في الحروب ؛ فالرواية تبدأ لحظة الحروب الصليبية وقتما ضاع الكنز كأنما هو استحضار لحادثة الشر الأولى المتفق عليها بين الأديان الإبراهيمية الثلاث من قتل قابيل لأخيه هابيل. وتستحضر الرواية مشاهد من الحرب العالمية وممارسات النازية في معسكرات الإعتقال وإن كانوا أطفالا. وأوضح الكاتب أن من تعرض للقهر والظلم في السابق هم متطرفي اليوم ومشعلي الحرائق. كأنما هي لعنة الكراهية التي لاتأتي غير بالكراهية والعنف. عارضا في مشاهد عابرة منابر الإرهاب والتطرف في الجوامع وشيوخ الجهاد الذين يتم توجيههم بالأموال والتبرعات.

لتنتهي الرواية بالأمل في السلام في مشهد السياسيين : الفلسطيني والإسرائيلي، مرصودي وميلان يعلنان حزبا مشتركا معا في سباق خيري وفي خلفية الصورة يتربص الإرهابيون بهما ؛ مشيرا الى الخيانة والغدر اللذين يتربصان بالخير.

ويظهر على مدار الرواية رسالة مكررة للشخصيات وهي التطهر : الدرس الذي تعلمه الثلاث شخصيات الرئيسية والثانوية والقاريء أيضا مما أوصلهم للراحة والسكون بنهاية العمل .

فليلى مدني : صحفية فلسطينية الأب ، بريطانية الأم ؛ قتل والدها أمامها على يد شاب فلسطيني متحمس لإنه كطبيب عالج جنديا إسرائيليا. ولم تصل للشعور بالراحة والسلام إلا عندما تطهرت من مقتها وكرهها لأبناء وطنها الفلسطينيين وقررت أن تمجد ذكرى أبيها بأن تفعل مثله وتمنع قتل الأبرياء فوصلت للسلام الأخير .

آرييه بن روي : ضابط إسرائيلي ماتت خطيبته بين يديه إثر هجوم إنتحاري فلسطيني على عرس ، وعندما تطهر من كرهه للفلسطينيين، وأنقذ حياة يوسف خليفة الضابط المصري  أصبحا صديقين، وعندها وجد ضالته وسلامه وبدأ حياة جديدة وعلاقة جديدة.

ويوسف خليفة : الضابط المصري المسلم الذي ظل يصارع نفسه والسلطات من أجل إعادة فتح التحقيق في مقتل سائحة إسرائيلية ، متغلبا بذلك على ميراث الكراهية والغضب الذي يوثقه فقهاء التطرف كأمر واقع ودائم بين الديانتين اليهودية والإسلامية .

ويظهر أيضا ان الشخصيات الثانوية في الرواية : جاهدت للتطهر حتى تصل للسلام من خلال نموذجي السياسيين الأنقياء : صائب المرصودي شاب فلسطيني واعد، مات أبوه في السجون الإسرائيلية وأخوه جراء قذيفة ولكنه قرر أنه لامجال لمزيد من العنف ، وانما الحل هو مائدة التفاوض في محاولة لكسر دائرة  العنف مع السياسي الاسرائيلي. يهودا ميلان رجل سلام ، رفض أن يحل الحقد في قلبه إثر موت ابنته الشابة على يد انتحاري فلسطيني فقرر أن يضع الكراهية جانبا ويقاتل مع مرصودي الذي بات صديقا له، من أجل غد وطنيهما.

   وكعادة بول سوسمان في إدراج التاريخ بأعماله ، يربط الرواية بنبوءة تنطلق منها الأحداث : ” ثمة ثلاث علامات. الأولى يأتي أصغر الإثنى عشر وبيده نسر ، والثانية يقف ابن إسماعيل وابن لإسحاق معا كصديقين في بيت الله ، والثاثلة يصبح الأسد والراعي واحدا وفي عنقهما مصباح. حين تتحقق هذه العلامات ، يحين الوقت المناسب ” ص11 و ص391

تنتهي الرواية بتحقق النبوءة : التي تفسيرها أن اتحاد يوسف وآرييه في نفس المصير كما هو اتحاد الشرق الأوسط في نفس المسار، هو الترابط من أرشدهم الى كنزهم. فالكنز هنا كان التطهر والسعي للحب والأخوة الإنسانية مستحدثا بالرواية نبوءات تراثية أخرى مختلفة عن أحاديث المقت المعروف شيوعها بين الإرثين .

فظهر الكاتب كأنما يؤكد معنى تفاؤلي مبجل، ألا وهو أن المستقبل بأيدينا نحن وهو خيارنا الخاص الذي يحدد لنا كيف نوجهه وكيف نغيره لما هو أجمل وأسعد. برغم كل جنود الكره المتربصة بالحالمين والتواقين للسلام.

هبه يونس النيل
٢٥ أغسطس ٢٠١٤

* آخر أسرار الهيكل – بول سوسمان : الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت / لبنان ، الطبعة الأولى ، 2010 .


Fatal error: Uncaught Exception: 190: Error validating application. Application has been deleted. (190) thrown in /home/clients/ed3c6347dbe4ca3a4321eb32fe384a07/arablog/wp-content/plugins/seo-facebook-comments/facebook/base_facebook.php on line 1273