جَلد

 

هو المتجول بخنجر في صدره ، بيوم طعنوه وفروا لم يستطع أحد أن ينزعه منه وأمره الأطباء أن يتركه محله ويتعلم كيف يرسم كل يوم وشما ملونا جديدا حوله ليصير جذابا..

 بادل سنواته التي تسقط في محدودية الحركة بوشوم مزركشة ،

واستقر ثم قرر على سبيل الفانتازيا أن يرسم يدا تقتلع المغروس فيه بحنو ..

 وعندما حدث .. وعندما استطاع..

كان ملح دمعه هو ما جَلد الجرح وأذبله.

قصة : من سير النعناع البري

هكذا هو

يفقد وحدته في أحضان الأشجار ، ناسك أو زاهد كما المحار لكنه لايكترث هو فقط يُسقط عنه وحشته هنا

.يمارس طقسه الصباحي في إحتضان الأشجار ، حتى الصبار لايخلو من حنوه

سار كثيرا ليحتضن شجرة النعناع البرية أعلى التلة.. لامسها وكانت الأروع : أوراقها .. رائحتها .. حنو أغصانها .. لم يدري بأي مما حوله كل ما حدث انه استيقظ ليجد ذراعيه تحتضن أجمل فتاة بالكون ، رائعة الشعر واللون والجسد ، ذُعر وهو الكهل البائس ثم اعطاها عبائته البالية..منحته نفسها مؤكدة انها امرأته التي تمناها ..

إبتاع لها بيتا وحديقة وسريرا ورديا ناعما ولم يكن يغادر البيت ، ولايملها أبداحتى نفذت نقوده وصار يجب ان يعمل وكان هذا سبب جنونه الملازم ، فكلما خرج عاد بعد ساعة او اقل في هياج  يبحث عنها بجنون يتلمسها ويتلمس وجودها.

تعب وأُرهق وضجر من ضغط الوله.

البعض وصف له ساحرا هنديا لم يصدقه ولم يكن يؤمن بهذه الاشياء الا انها الساعة ، اخبره الهندي انه يستطيع حبسها في ساعة يده واخراجها وقتما اراد.. ولدهشته .. حدث ، ابقاها محبوسة بين عقربين ولم تكن ترى النور الا في ظلمة الليل الشديدة عندما يكون الجميع نيام واحيانا كان يتركها خارج الساعة لساعات من النهار او حتى لنهار كامل حتى تمرح في البيت كما تحب.بقيت الاوقات والايام سعيدة ، تحرس هناءهما الساعة العتيقة .. في رسغه ثم حدث مالم يفكر به ، تعطلت الساعةولم يعد يستطيع حبسها ، سارع الى الساعاتي العجوز وهو يرتعد.. كان الساعاتي يرتدي غطاء التصليح عاكفاً على شيء ما ، فأعطاه اياها فقام ونزع عنه الغطاء لم يكن هو كان ابنه الشاب العائد حديثا من الجندية..توجس اكثر و لم يكن عنده حل ، اضطر لترك الساعة معه حتى يتم اصلاحها..وعاد

أما الشاب فقد ارتاب في الكهل الملهوف ، شيئا ما في جنونه اخبره انه يداري سرا كارثيا..تبعه للمنزل ، صعد وتلصص وتسمع وعندما خرج صباحا تسلل لداخل بيته وكانت امامه ، خفيفة بريئة وجميلة .. سقط في حبها فورا وكذلك هي وقرر ان يحوذ قربها باي ثمن بعدما عشقها بكلِّه.

استرد الكهل ساعته ولم يتم اصلاحها تماما ، ببعض الاحيان يتمرد العقرب ويرفض ان يدخلها فيه واحيانا يتمردد ويرفض أن يخرجها من الساعة….اكلته الريبة والشك وعلم بخبرة السنوات ان امرأته مع رجل آخر فقرر ان يواجههاعاد يوما منتصف النهار ليجدها بين احضان ابن الساعاتي.. لم يندهش كثيرا ولم يعترض.

سالها ان تختار ففعلت ولكنه رفض ان يقبل ، هاجم الشاب طعنه ثم سارع بادخالها في الساعة ، قام الشاب وعاركه ليأخذ الساعة.. لكنه القاها في نار المدفأة.فضل ان يبقيها رمادا معه على ان تعيش جميلته مع آخر..تحامل ابن الساعاتي وانتزع منه رمادها وحفظه معه في قنينة قرب القلب وعندما تعافى قليلا زرع رمادها حول جذور شجرتها ، شجرة النعناع البري.

ومازال يوميا يصعد التل ويسقي الشجرة منتظرا كل صباح أن تنبت منها الحبيبة أو أن يعانق رماده رمادها يوما ما.. بساعة ما…

وعاد الكهل يتلمس ونسه بين الأشجار ووسط الغابة بدون أن يقرب شجر النعناع البري.

قصة : دعوة مجهولة ، خزانة مغلقة وتوأم

red-lagoon-chile-البحيرة الحمراء-1[6]

موكّا دابل من غير سكر هكذا احتضنت هدى كوب قهوتها بكلتا يديها وهي تثبته في السيارة

بمرة تهكمت إحدى صديقاتها على مزاجها الذكوري في القهوة فلم تعلق ولم تخبرهم أن مرارة القهوة عندها تداوي مرارات القلب وتجعلها تفكر في مرارة أخرى غير تلك التي تعيشها ..

إنها ٣٧ سنة الآن ،بقلب دام وحبيب بعيد وليالٍ وحيدة متكررة ..

كم كفرت بالحب وكم تمنت لو تنتزع قلبها ومشاعرها انتزاعا فلا تشعر بشيء..

اليوم هو الخميس ، يوم الوحدة العالمي من كل أسبوع وهو أيضا ليلة الفالنتين حيث تغزوها كل الآلام والأوجاع دفعة واحدة.

تصلها رسالة إلكترونية بدعوة لحضور حفل للعزاب في ليلة الفالنتين حتى لا يقضوه وحيدين والحضور بملابس تنكرية.

لم تتردد وارتدت فستان كلاسيكي ذو تصميم رومانسي يشبه العصور الوسطى وأسدلت شعرها الطويل

كان القصر منعزل وموحش ومحاط بالبوص والأعشاب الطويلة حتى كانه مختف تماما..

استقبلها شابا يرسم المهرج على وجهه ورافقها من عند الباب ، كانت الموسيقى صاخبة والقاعة ممتلئة بالدمى الكبيرة بالحجم الطبيعي ، دمى فتيات وفتيان في رقصات وحركات مختلفة
استاءت قليلا ثم وجدت ذلك مريح ومنطقي ، العازب يعالج وحدته بصحبة دمى حتى يحافظوا على اللقب ورأت ان الدمي صحبة أءمن وباعث اقل على لتوتر من البشر.

راقصت إحدى الدمي لشاب كلاسيكي بملابس فرسان ، حتى لاحقها الشاب الذي استقبلها عند الباب ودعاها لشراب في غرفة جانبية..
استلقت على الكرسي بعد طول رقص وذهب لإحضار المشروب ، لمحت صورة له على الكومودينو ولكن لم تكن صورته وحده ؛ كانت نسختان من صورته مع رجل عجوز يبدو كابيه أو ربما هذه الاعيب الفوتوشوب ، ركزت اكثر كان توأمه..

حضر الشاب وناولها الويسكي المفضل عندها ، بعد الكأس الخامس اكتشفت أن طلاء وجهه لم يكن محكم كفاية ،هذا ليس من قابلها عند الباب بل توأمه لم ترتاح ، أخذت جاكتها وخرجت مغادرة لكنها اكتشفت أن الباب مغلق ولم تجد في الغرفة أي مخرج آخر كل ما وجدته هو خزانة زجاجية مغلقة ولكن يبدو زجاجها كاشف من اتجاه واحد فقط ، يجب أن تضيء الطرف الآخر لترى شيئا بخلاف انعكاسها عليه .

دلفت لداخل الخزانة وانغلقت ، حاولت بكل الطرق لم تنفتح، حاولت تكسيرها بكل قوتها ولم تستطع..

نامت وصحت من الانهاك ، فوقها كان هناك رجلا عجوزا شائبا قعيد يمتص أوردة ما من يديها.. لم تفهم ،لا لم يكن يمتص دمائها بل أعصاب يدها يلتهم أعصابها كما يلتهم الاسباجيتي.. صرخت وضربته ودفعته فسط العجوز في تألم ، لامت نفسها على حدتها معه وقامت لتجلسه ..
هنا أضاءت الغرفة وظهر التوأمان على الناحية الأخرى من الخزانة.
ضربت الزجاج كثيرا لم يستجيبوا وأوضحوا لها لماذا احضروها ، وان هذا هو بناءا على رغبتها ولمساعدة أبيهم ، فرغبتها التي صرحت بها على الملأ في صفحتها أنها تتمنى أن تتخلص من الإحساس والحب والشعور كله.

وأبيهم يحتاج للإحساس كي يشعر بهم ، فمنذ اكل مرض النسيان عقله وهو لا يتذكر حتى أبوته لهما.. فهو لم يلمسهم ولو مرة ، تركوها تعود ، وفي منتصف الطريق عادت لهم ركضا ، مانحة يديها للاب كافرة بالحب ورافضة للإحساس بهذا العالم .. تمنت أن تكون كالحجر فأصبحت صخرة يجرى على شعرها دمها.

قصة : تاكسي،فالنتين،وعدو قديم

 

لماذا تكرهني هكذا ؟

لا أكرهك ، أنا فقط عدوك الأبدي
وذهبت بعيدا ، محاطة بأنوار حمراء ووردية تدور وتدور ببطء كالطواحين المكسورة .
انه يوم الفالنتين ، سهيلة تستيقظ في فوضى .. بالكاد تستنشق انفاسها وخائفة داخلها بشدة بدون أي سبب منطقي.
هذا الحلم المظلم الذي صُلبت فيه وكانت في هيئة عروسة فودو ورجل شرير يطعن دميتها فيدميها
كل هذه الظلمة تركتها في قلق غامض.

قررت أن لا تدع خيالها يفسد يومها وأن تذهب لتلحق بالحب أي كان الثمن وبخاصة اليوم ، لذا ارسلت رسالة لذلك الرجل من موقع المواعدة العمياء لقضاء الليلة في صحبة .
في 1م تلقت بوكيه ورد من موعدها ، وكانت أول مرة تتلقي هدية مماثلة .
بسعادة اخرجت الوردود وادمتها الاشواك وبعدما رتبتهم سريعا في المزهرية انتهت بايدي مدماه وبورود حمراء جميلة .

طرقات وتدخل اختها حاملة بوكيه زهور جميل ، وبسرعة نزعت القديم والقته في الزبالة واضعا البوكيه الجديد ولم تعترض سهيلة وللغرابة كانت الورود ذابلة وجافة كإنها منذ 100 عام .

ارتدت ملابس جميلة للموعد ،
واخدت تاكسي لتصل في الوقت.
قابلت المعجب المهذب وجها لوجه على الاقل لا مواعيد عمياء ولكن الله هذا الرجل من الكابوس هذا الذي قال لها انه عدوها الابدي من استنساخ لاخر .
استيقظت .. بعد الاغماء
برائحة كلوروفورم
مربوطة في وضع الصلب
عدوها كان يمليء دميتها الفودو باشواك الورد التي ادمتها وعندما قرر ان يطعن قلب الدمية اصبح هذا هو فالنتاينها الاخير .
سألته لماذا؟
أجابها لانها توأم روحه ولا يمكنه ان يحب احد غيرها وهي لا تحبه فيريد ان تكون كأن لم يكن.

تحولات المانيكان

أول مرة لاحظت الإختلاف كان بالمرحلة الثانوية ..بأواخر التسعينات وقتما كان هيركيوليز هو المسلسل المكون لخيالنا وتصوراتنا عن البطولة الرجولية و الفتيات الجميلات اللاتي ينقذهن الفوارس.

وكانت هذه هي الصورة عند أغلب بنات جيلنا : الأجمل هي الأكثر رقة ولأن النموذج الاوروبي هو المسيطر بكل مايخص المرأة فكنا – المراهقات وقتها – نرى الجميلة ، الدقيقة الحجم هي الأجمل بيننا ، وكذا كان المانيكان. مانيكان كلاسيك

مانيكان المحلات بكل بيوت الموضة الدارجة حينها كان يُعرض بفساتين كلاسيكية ، جيبات هندية تظهر النحافة وضعف البنية اكثر مما تداري وشعور طويلة جدا تحاكي صورة جوليت الكلاسيكية في القرون الوسطى .

ثم ،استيقظنا يوما لنرى مانيكان المحلات الكبيرة واللامعة تغير كثيرا.. استُحدث نموذجا شاع كثيرا واصبح مميزا لمحلات الملابس وهو المانيكان السيكسي ومواصفاته الرئيسية ١٠٠ سم وسع الصدر ، وسط ضيق ومؤخرة كبيرة.

كل شيء في المانيكان يعكس ماتحولت له ايقونات الجمال وتركيبة مخيلات فتيان وفتيات هذا الجيل : سيقان بيونسيه ، مؤخرة شاكيرا و صدر كاتي بيري .. تلك هي احلامهن الان.

مانيكان سيكسي ولذا يجب أن يكون بطلهن مشابه لتوجهن ، بطل لا علاقة له بنبل الفرسان القديمة وإنما يجيد البريك دانس ووضع الچيل ،شهواني وجريء وياحبذا لو كان يرتدي التيشيرتات اللاصقة على الجسد مثل الممثل فلان او علان ، ويظهر تساهل كبير في خصوصية علاقاته فيتباهى بالتصوير وسط سيقان الفتيات .

ربما هو التشيء الذي تغلغل تماما حتى في علاقتنا بذواتنا وبالأخرين ، فلم نعد نجد في انفسنا او الاخرين غير مجموعة تضاريس جسدية نريد عرضها او امتلاكها ربما هو حقا ليس مانيكان،ربما المانيكان الحقيقي هو نحن ، وأن هذا هو ماتغير بين جيلين.

ضوضاء انفجار الهند

 

download (4)

كيف انفجر المجتمع ؟ سؤال يطرحه الكثيرون إثر حوادث ملفتة للرأي العام العالمي : كالعنف الطائفي ، اغتصاب جماعي أو نهب مسلح دموي في احدى دول العالم الثالث المكتظة بالسكان كالهند ؛ فيظهر هذا العنف المستمر كروتين يومي.

ويطرح الفيلم البوليودي الشهير “ضوضاء في المدينة أو هكذا يُترجم Shor in the city ” – 2011 ، مقطع عرضي للمجتمع الهندي المعاصر في مومباي ؛ بواقعية شديدة وبلا رتوش أو تجميل : يسرد قصص لثلاث نماذج متباينة : ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا في هذا المجتمع جميعهم تضطره الظروف المتأزمة للجريمة.

فآبهاي / سيندهيل رامامورثي Sendhil Ramamurthy  ، شاب ثري نسبيا ، عائد من أمريكا لإقامة مشروع صغير ، لايعلم عن تغير الأوضاع الحالي في البلد . يبدأ تصادمه مع الواقع بأحد العمال الخدميين يلح لمساعدته ويلح لأخذ بقشيش في تنويه عن مشكلة العمالة الخدمية التي في حقيقتها بطالة مقنعة ويتبين لاحقا انه أحد البلطجية في عصابة المنطقة لفرض الإتاوات.

عصبة الثلاث شباب (ماندوك /بيتوباش ، راميش/ نيكيل دوافيداي ، تيلاك / تاشار كابور ) وهم عصابة فقيرة وغير مؤذية كل منهم يمثل نموذج شائع في هذا المجتمع :

فراميش : شاب سلبي سهل الانقياد ، ماندوك : شاب سطحي مهووس بالفتيات واجسامهم وتصويرهم

وتيلاك : صاحب مطبعة غير مصرحة تعيد طباعة الكتب خلافا لحقوق الملكية الفكرية وبنصف ثمنها لتوزيعهم في إشارات المرور . يقومون بأعمال سطو غير خطيرة كالسطو على كتاب لمؤلف كبير أو نشل شنطة بدون اكراه يتبين ان فيها اسلحة.

وسوان / صانديب كيشان شاب محدود الدخل ، يريد أن يصبح لاعب كريكيت – لعبة من الكرة والمضرب –ويطالبه مدير النادي برشوة 1,000,000 روبية لإلحاقه بالفريق .

تتصاعد احداث الفيلم لتتأزم الأمور فبعد النظرة الأولى على بدايات تقليدية للشخصيات تتكشف تحت السطح حقائق أخرى ويكتشف المشاهد أزمة الأبطال الذين باتوا مضطرين للانصياع للفساد ؛ ويكتشف معهم الحل الذي توصلوا له . فساوان رسم خطة سطو على البنك المجاور وعرضها على مقاول حشد سياسي ليتمكن من دفع الرشوة ، آبهاي الثري يشتري سلاح “محلي” من ماندوك أحد الثلاث شباب ، وعصبة ال3 شباب يقرروا تنفيذ خطة ساوان : لاعب الكراكيت في السطو على البنك .ينتهي انفجار الوضع بانتهاء المشاكل والراحة في نهاية سعيدة تغلفها احتفالات الإله جانيش .

ويظهر هدفا أساسيا للفيلم : وهو تشريح المجتمع لكن هذا الهدف قد يكون مشتتا بعض الشيء ومضرا لتشابك وتواتر الأحداث فيبدو الفيلم كثلاث أفلام منفصلة ومتوازية لاتتداخل إلا في ال15 دقيقة الأخيرة من مدة 2:15ق طول الفيلم.

يبرز الفيلم تناقضات المجتمع في أكثر قيمه سمو فتظهر السلوكيات مدعية أو خالية من مضمونها.

تناقض المجتمع بخصوص الوطنية : يظهر في مشهد قصير مقاول الحشد السياسي ” …” الذي يتعامل مع المعارضة كباب رزق للتكسب ، يخطب في قريبه “ساواي” لاعب الكريكيت محفزا اياه على الرياضة ” نعم ، العب من أجل وطننا الهند ” ، فيعرض مفارقة الوطنية فيمن يبدو كشخص يتكسب من وطنيته.

تناقضه بخصوص الاحتشام والمحافظة : يظهر مشهد عابر لفتاة محجبة تغطي وجهها ويظهر اسفل ظهرها من بنطلون شديد الضيق ، فيما يشبه العفة الظاهرية . ويعرض الفيلم نموذج فتاة تضاجع الشباب على الانترنت وترفض أن تتحدث معهم في الواقع مشددة على مظهر الالتزام . مما يصور قضية المحافظة في المجتمع كمحل إدعاء.

تناقض بخصوص الحب والزواج : فبيما المجتمع يضيق الخناق على التعارف قبل الزواج وتبدو طقوس الخطبة تقليدية للغاية وتتبع طريقة الصالونات ؛ يظهر كورنيش مومباي مكتظ بالأحبة الذين يتبادلون القبل المحمومة ، يفصلهم امتار قليلة عن بعضهم في وضع خالي من الخصوصية.

تناقضات تسيء للمجتمع تترد جملة ” انهم كلاب / هو كلب بلا قيمة ” حوالي ال4 مرات في الفيلم على لسان شخصيات مختلفة في العمل ؛ فيما يظهر كيف يرى أطياف المجتمع بعضهم البعض . فبينما قالها الشرطي المرتشي عن البلطجية ، قالها البلطجية على عامل الشركة بعدما قتلوه وعلى ماندوك أحد الشباب الثلاث وبنهاية الفيلم قالها “آبهاي” الثري على البلطجية وهو يتعامل معهم . فكل فئة ترى الأخرى كلاب لاتستحق تعامل جيد ومن ثم ترى من الشرعي أن تسيء لها أو حتى تقتلها .كل تلك التناقضات كانت بمثابة البارود القابل للاشتعال مثل مشاهد نهاية الفيلم ، على اثرها انفجر الوضع في البلد.

وعن اختيار الملابس جاء موفقا فكل شخصية تظهر بما يلائمها ، ويظهر بشكل مميز تي شيرت لماندوك يبرز بلغة الصورة غياب الاتساق في الوضع . فبينما هو يرتدي تي شيرت عليه مسدس مزين بعلامة ممنوع حمراء بما يوحي بالسلمية أو غياب السلاح، يذهب هو واقرانه لتفجير قنبلة . وبينما يقوم بتهديد رجل بسلاح  تلتقط كاميرا المخرج صورته في المرآة مرتديا تي شيرت عليه كلمة حب بالمقلوب . 

التمثيل: كان بشكل عام جيد وغاب عنه الدرامية الشديدة والمعتادة في الأفلام الهندية وبالأخص آداء آبهاي والبلطجي وغيرهم ، كما ظهر خط آداء هزلي اخذ يتصاعد في ذروة المشاهد الخطرة أو المأساوية للتخفيف من مرارة او ايلام الصورة على المشاهد . كثناء الكاتب المختطف على عملية خطفه مجاملا اياهم ببراعة الاختطاف أو تخبط الشباب وهم يحاولون تفجير الفنبلة .

جاء آداء البطولات النسائية ملائما للحكاية بأغلب الوقت ف”شاميلي / بريتي ديساي” الموديل المتحررة تتعامل مع جسدها كسلعة ، فكلما قابلت آبهاي تطلب منه شيئا رغم ان آدائها في مرافقته لايظهر فيه أي مشاعر وتبادله التقبيل باستغراب وبرود.

واجادت زوجة تيلاك في الآداء فتظهر اللهفة له في حركة الشفاة ونظرة الأعين المشتاقة موصلة للمشاهد المسكوت عنه في علاقتهم الحميمية .

الإله جانيش ، يظهر كمخلص لأبطال العمل في مشهد النهاية فهو اله النجاح وازالة العراقيل ينهي الفيلم بنهاية سعيدة للجميع ، ويظهر تعبده بالصندلية الحمراء ورمزيتها في تنقية الفضاء والسلام كرد على عنوان الفيلم : كهدوء مقابل ضوضاء المدينة ، أو هو الهدوء الذي تلى الانفجار .

داعش..والحرب على الإنسانية

injured-by-shooting-of-terrorist-mall-kenya-nairobi-21-09-13-b

صورة من هجوم إرهابي على مول بكينيا

داعش / القاعدة السيناوية / دالم ، كلها أسماء متعددة لنفس الوجه المتطرف.. فقادة الإسلام السياسجهادي ليسوا باشا شركسي ملازم للقلعة أو ملك لا يغادر قصره ولا يهمه الرعية ، إنما هو نظام بديل لخلخلة كاملة لمنظومة الدولة بكلياتها .

    الدولة بمكوناتها الأكثر تجريديا هي : حكومة ، مجتمع ، فرد بترتيب هرمية السلطة . فالدولة تطبق القوانين التي تنظم المجتمع ، والمجتمع يطبق منظومات اجتماعية ترتب معاملات أفراده ، ويقوى أو يضعف دور الدولة بحسب طبيعة المجتمع زراعي ، صناعي ، بدوي .

هلاکت عمر چچنی سرکرده القاعده در حلب + تصویر

صورة لمقاتلين في سوريا يظهر انهم من جنسيات متعددة

وما يميز الوجود الحقيقي لأي من هذه المكونات هو السلطة :
فلكي تكون حكومة يجب أن تمتلك سلطة تطبيق القوانين في حدود الدولة..
والمجتمع لكي يصبح كذلك يحتاج لأعراف تنظم علاقات الأفراد ببعضهم لكي لا تصبح فوضى وبخاصة فيما يتعلق بتلبية الاحتياجات الفردية .
والفرد يجب أن يمتلك سلطته على ذاته لكي يكون حرا ، في حدود عدم الإضرار بالآخر في المجتمع ، وحدود سلطة الفرد وحريته قد تم تحديدها جليا في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.
وإجمالا الحكومة والفرد والمجتمع يشكلون النظام العام للدولة .
أما ، خطورة دالم وإخواتها هو الخلخلة الكاملة لهذا النظام إجمالا وفرادى..

فهي جيوش بلا جنسية محددة أو أيديولوجية بخلاف الهوية الإسلامية ، وبلا وطن أو أرض وبلا مقدسات فحتى الكعبة قيل أن في مخطط داعش هدمها لأنها تعبد من دون الله .
وهم جاهزون ببديل يطيح بالحكومة ويطبقون هم الأحكام التي يرونها شرعية بالقوة والتجنيد الواسع حتى للنساء والصبية.
وقواعدهم هي ما يفرضوها على أعراف المجتمع فإذا تعارضت مع الأعراف سادت قوانينهم .
يكسرون سلطة الفرد وحريته تماما بالتحكم به جسديا وذهنيا : فالشباب ملزمين بملابس إسلامية ، ملزمين بالختان وإطلاق اللحية وعدم لبس الذهب وغيره والنساء ملزمين بالحجاب وعدم تهذيب الحواجب وعدم الاختلاط وغيره .

صورة من مجازر داعش

صورة من مجازر داعش

فانكسار سلطة ال3 مكونات على ذاتها وفيما بينها كفيل بكسر نظام الدولة كله وانهياره .
وهذا ماقد أنام المصريين في الكهف منذ العزو الإسلامي لمصر ، تسليم السلطات للغير.

الأزمة الحادثة الآن ، هو عدم جاهزية الدولة والدول العربية ببديل
فالحكومة مهترئة تعاني من الفساد العارم حتى هذه اللحظة ، تقريبا فاقدة للسلطة على الحدود وحتى مفهوم الدولة نفسه متذبذب وركائزه غير واضحة بخاصة فيما يتعلق بعلمانية الدولة التي اعتمدت في السابق على ترسيخ الهوية الدينية للحكومة .(الرئيس المؤمن و القوانين الشرعية والبنوك الإسلامية وغيره )
المجتمع : مشتت ، متنافر ومختلف جدا في كل شيء وليس عنده منظومة موحدة من العادات والتقاليد والقيم الأخلاقية .
الفرد : نحن نتحدث عن مواطنين 40% منهم أميين والمتعلمين منهم ضحلي الثقافة في الأغلب ، أي لا يمتلكون ذهنية مستقلة وأغلبهم بلا حرية فردية وليس عندهم منظومة شخصية من القيم والركائز تجعلهم يتعايشون خارج النظام الديني ذو الفتوى في كل شيء .؛ فكثير من الشباب والكبار يعتمدون على من يفكر لهم ويقودهم في الحياة : زوج ، زوجة ، أب ، أم ، خليلة .

فبين نقصان الرؤية والارتباك المذهبي وإرتكان الكثيرين عليه في تواكل لتنظيم حيواتهم وطريقة معيشتهم يكون تسلل جيش مرتزقة كدالم أمر مخيف وعدو متخفي كان سيصبح ظاهرا ووضاحا لو امتلك كل بوصلته واتجاهه .

كثيرون حاولوا تصنيف حروب دالم/داعش كحروب طائفية بين طائفتي مسلمين احدهما متشدد والآخر وسطي فيما أشبه بحروب أمريكا بين الكاثوليك والبروتستانت إبان التأسيس.
ويرى البعض إنها أشبه بحروب الدولة الرومانية الكاثوليكية على أقباط مصر الأرثوذكس إبان الحكم الروماني ؛ أي كحروب لإخضاع الجميع لنسخة خاصة وموحدة من الدين .
لكن خطورة تلك الحرب ليس فقط أن جيشها قابل للتوسع بأي جنسية وأي فئة ، مما يجعلها حربا عالميا أخرى ضد الحضارة الإنسانية الآن ، و ليس لأنها حربا استعمارية من مرتزقة يريدون وضع أياديهم على خيرات الدول لكن لكونها حربا استعبادية : تستعبد البشر ذهنيا وجسديا وتستلبهم تماما وتبرمجهم كآلات حرب واعدين إياهم بحياة أفضل في الجنة .
فهم لايغزون بلدك / ذهنك / حكومتك مرة بل عشرات ومئات المرات يتم فيها احتلالك بالكامل .

فهذه ليست حرب ضد نظام سياسي قمعي أو بلطجي يفرض إتاوة أو أو .. هي حربنا ضد التدمير الذاتي النابع من بيننا وخلفنا وحولنا هي حربنا ضد من يريدون هدم المعبد لأنهم لم ينالوا كفايتهم من الخمر / فالعدو هنا ممكن أن يكون بأي مكان بين بيوتنا وشوارعنا ومؤكد انه في كل انعطافات الحواري والأزقة الضيقة.

عنصرية مصر الزائفة

download

كثيرون قد لامسوا بشكل مباشر أو غير مباشر ممارسات تميزية أو عنصرية في الشارع المصري . من جماعات أو حالات فردية أو ممارسات تميزية من الحكومة أو الدولة ككل .
لكن ورغم وجود العنصرية* في الشارع بتعريفها : كإنكار للحق الإنساني لآخر وتفاعلاته مع المجتمع بناءا على حكم مسبق يؤدي إلى اضطهاده ، إلا إنها عنصرية زائفة في جوهرها ولا تستند على إيمانات حقيقية وإنما هي غطاء لأزمات أخرى لها علاقة بالفقر وقلة الموارد والفرص المتاحة وانخفاض مستوى التعليم والمتعلمين الثقافي .

فمن حالات الممارسات الفردية : حالة المخرجة الشابة ندى مع صيدليات سيف حيث رفض الصيدلي التعامل معها بحجة إنها سوداء ، أو محاولة الاغتصاب التي تعرضت لها فتاة سوداء بريطانية الجنسية ، إلى هتافات تحمل الإهانة تتعلق باللون في الشارع والكلية والمدرسة وغيره.

الشركات والمؤسسات التي ترفض تشغيل سمراوات وسوداوات في خدمة العملاء والوظائف الخاصة بالعرض أو كواجهة للمؤسسة.
أفكار وممارسات مجتمعية وسياسات اجتماعية حتى فيما يخص الزواج والجمال و مستحضرات التجميل التي تقرن الجمال بالمواصفات الأوروبية وفيما عدا ذلك هو أدنى .

الممارسات السياسية الخاصة بتجاهل وإهمال الأقليات العرقية والإقليمية في التمثيل السياسي .
الحكومة التي تتجاهل الأمازيغ والبدو والنوبيين وأهل حلايب وشلاتين وغيرهم من الأقليات ، أما فيما يخص حالة النوبيين فاضطهاد الحكومة لهم كان منذ الحرب مع محمد علي ومملكة النوبة المسيحية حينها وبعدها عندما أراد الخديوي عباس حلمي تشيد خزان أسوان ففجر المجرى على أهل النوبة بدون تحذير وغرق من غرق في ما أشبه بالتطهير العرقي أو العداء العرقي .

ثم جاء عبد الناصر بعدها بغدره المعروف لمحمد نجيب السوداني الأصل وكان أول ما فعله عند بناء السد العالي أن تجاهل النوبيين ومطالبهم وعوضهم بقيم بخسة جدا من قيم أراضيهم ، دافعا بهم في الفقر والشتات بكل أنحاء مصر .
وما زالت الحكومة المصرية تمنع أي مذيعة سمراء من الظهور في التليفزيون المصري منذ تأسيسه ومازال الجيش المصري يسرح الضباط المسيحيين الكبار وما زالت المرأة عاجزة عن أخذ حقها في المجالات الوظيفية والرياضية وبأغلب المناصب.
مازال التميز هو القاعدة الشرعية في مصر.

ربما لذلك حدث الانعزال الرافضي عند النوبيين الذي عده البعض عنصرية مضادة أو جيتو دولة داخل دولة ، فرغم إصرار النوبيين على تزويج أبناءهم من نفس العرق وأن لهم لغة ومأكولات وعادات وطباع مغايرة ألا انه انعزال لمداواة جرح الاغتراب والتهجير والإفقار والعنصرية اللاحقة من المجتمع وليس كرها أو إهانة للآخر .

العنصرية بمصر زائفة لأنه استنادا على دوافع النفسية للعنصرية المذكورة بمجلة : psychology today ، لا تنطبق

  1. التضخيم والاحترام من الذات
  2. التميز الإيجابي
  3. الإيمان بالمطلقات
  4. البقاء
  5. السيطرة والتسيد

ال5 دوافع كلها مزيفة في حالة المجتمع المصري ويمكن اختصارها في قلة الرزق.

فبسبب شعور الكثيرين بالدونية الناتجة عن سنوات القمع السياسي والإنساني الطويلة ، يسعى المواطن لتضخيم شعوره بالذات عن طريق اضطهاد من هو مثله ولكن من عرق أو نوع أو طائفة مختلفة فيما أشبه بالتوحد مع سلوك القاهر هنا وهو الحكومة الفاسدة والقمعية في عهد مبارك ومن سبقه.

التميز الإيجابي غير فعال في حالة مصر بسبب التباين الشديد لأصول المصريين وكون مكانها الجغرافي مصب طبيعي منذ القدم لجنسيات عديدة .
ولذا كان البقاء غير مرتبط بقتل التنوع حيث كان الواقع بذاك الوقت هو تعايش الليبيون والنوبيون واليهود وغيرهم من الوافدين معا بلا تميز في مصر القديمة ووصول بعض الجنسيات الأجنبية لبيوت الملك وقلب تكوين الجيش .

الإيمان بالمطلقات هو طريقة تفكير وكثيرا ما تلازم المتشددين دينيا ، فالإسلام مثلا يؤكد على أن شرف الإسلام هو فوق كل شرف مميزا هنا بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة وكذلك فيما يخص العرق أو اللون فجميلات الجنة بيضاوات والحديث الذي ربما يصنفوه كضعيف يقول : تخيروا لنطفكم ، وانكحوا في الأكفاء ، وإياكم والزنج فإنه خلق مشوه محرضا على ترك الزواج بمن هو غير عربي لأنهم أدني ، فجانب من الإيمان الشديد بالمطلقات الإسلامية لا ريب قد يعزز النزعة التميزية للمتدينين .

السيطرة ، هي سلطة في حالة الحكومة وهنا هو سلوك فاسد متخبط أكثر منه اضطهاد منظم ، بالطبع به تجاهل وعداء سلبي لكنه يغلب عليه عداء الجهل والكسل الحكومي عن آداء الواجب وحل المشاكل .
وفي حالة المجتمع هو غطاء للسيطرة على الموارد ، فالنزاعات دائما ما تحدث على الموارد القليلة.

عنصرية مصر ، مثلها مثل الكثير من المظاهر الطارئة والغير معتادة الظهور في المجتمع ، عرض يخبيء تحته مرض عضال وهو الفقر .
مصر تحتاج للتميز ضد الفساد والرشوة والإفقار وليس ضد كل ما هو أقلية فبالمختلفين المميزين تحدث طفرات الأمم .

* تعريف ويكيبيديا للعنصرية

سلفيون كأخناتون

akhnaton_n_nefertitiولما كان هذا القرص حاكما مطلقا للكون ، فلقد استحق التوقير الذي يجدر بالملوك : فكل الذين يكونون في معية الملك يروحون ويغدون في وضع الركوع ، أو يقبلون الأرض عند قدميه من ترنيمة آتون “(1)

الآتونية أو ديانة قرص الشمس التي ترى انه لا إله غير آتون : قرص الشمس وواهب الحياة فهي الديانة الجديدة التي أسسها أخناتون أو امنحوتب الرابع الملك المصري القديم ، وعلى إثرها تغيرت العاصمة لأخيتاتون أو مدينة الشمس . عطل أخناتون لذلك معابد الآلهة الأخرى و فرض بكل ما استطاع من قوة الآتونية على شعبه.

هناك ثلاث مدارس بخصوص طبيعة الديانة الآتونية (2)
فمدرسة ترى إنها ديانة توحيدية ولدت بنزعة مبكرة عند أخناتون ، لأنها وحدت ألآلهة في اله واحد وهو آتون ؛ كما ورد في الترنيمة الكبرى أنت الإله الواحد الذي وجد منذ الأزل ، انت آلة الحياة وواهب الحياة ولا حياة إلا بك “ (3).

وفي مدرسة أخرى إنها ديانة متعددة الآلهة ، فقد تواجدت معها آلهة أخرى وإن كانت ثانوية.

وترى المدرسة الثالثة أن الآتونية هي إلحاد مبكر إذ أن أخناتون كان يرى في قرص الشمس مسبب للحياة وليس صانع أكوان ، فهنا كانت الديانة قائمة على السببية ليس بها أي اله معجز.

يوضح الكاتب دونالد فورد في كتابة أخناتون هذا الفرعون المارق كيفي قام أخناتون بوضع يده على الدولة ومحاربة نفوذ كهنة آمون . ولأن مصر وقتها كانت دولة مترامية الأطراف ، احتاج حاكمها حينئذ لتبرير توسعاته وتوسيع امبراطوريته بدين ورواية تقول أنه ابن الإله الشمس المدلل الذي أعطي ملك الأرض ولأنه الملك فكان منطقي أن يحيد العبادات لآتون دون غيره من الآلهة للاستيلاء على كنوز المعابد كلها ، فهذا هو الضامن القوي لإخضاع ثروات المعابد وعطايا الشعب لها كالمواشي والأراضي الزراعية الشاسعة وغيرها لقبضته ، بمنأى عن كهنة آمون.

أما الأخناتونيون الجدد ، أو السلفيون أو المتطرفون الجدد مثل أخناتون وجماعته يفرضون ديانتهم بالقوة والإجبار . ربما هذا نعت يخص متطرفي الإسلام في هذه الأيام لكن بعض الباحثين كأحمد عثمان يرى أن أخناتون وموسى هما نفس الشخص ؛ و فرويد يرى أن الديانة الموسوية ما هي إلا آتونية أخرى وبالأخذ في الاعتبار أن الإسلام قد ورث أغلب تعاليم اليهودية ، نكون هنا أمام أخناتونيون جدد .
فرويد قد أفرد نظرية في كتابه موسى والتوحيد مفادها أن موسى كان مصريا من مدرسة الآتونية أو كهنتها وأن تأسيسه لديانته ماهو إلا إعادة تدوير للآتونية بعد أن اكسبها أسماءا وتفاصيل أخرى ؛ وقد استند في كتابة على التحليل السيكلوجي وبعض الحجج منها أن ديانة شمولية كديانة أخناتون ترى أن آتون هو اله الأرض جميعا ، لا يمكن أن تنبثق عن أقلية عرقية بمصر كالعبرانيين لما يتطلبه ذلك من إمبراطورية ضخمة ومؤسسات دولة قوية تفرض سيطرة هذا الإله الموحد على الأرض وتجسد تموذج نظامه الكوني في آخر أرضي لإقناع الأتباع .
ويرى الكثيرين من الباحثين وعلماء الأديان تشابه حد التطابق في تعاليم اليهودية والإسلام ربما لوحدة المصدر كأديان إبراهيمية – :
في أفكار جوهرية كالتوحيد مثلا
في رؤى عامة كموقع المرأة وتعدد الزوجات
وفي عبادات : مثل شكل الصلاة الذي لا يفرق غير في شكل امتداد اليد وكما الصوم وتطبيق الحدود بالجَلد .

لذا ، يبدو متطرفو اليوم كأنما يجترون سلفية الأخناتونيون وممارساتهم لفرض شكل عبادة خاص بهم. فمثلما دمر تطرف داعش والقاعدة تماثيل لبوذا وأضرحة في العراق بحجة الكفر فقد فعل أخناتون المثل وحرم الصور الأخرى للإله الشمس وأي تجسيد يشبه آتون بالإنسان واختفت رموز الآلهة الأخرى من الهيروغليفية حتى الكتابة نفسها مالت للتجسيد الصوتي وليس تجسيد شكلي في عهده . (4)

ومثلما يغير مجاهدي داعش والقاعدة أسمائهم لأسماء قريبة من أسماء الصحابة أو الأسماء الموصى بها في الإسلام (ما حُمد أو عُبد) ، قد حدث ذلك بعد غلبة الإسلام في مكة فتغيرت أسماء المسلمين مثل عبد اللات لعبد الله مثلا ، كان أخناتون من ابتدع ذلك منذ 2000 عام حيث أجبر الذين يحملون أسماء مركبة بها اسم آمون على تغيرها وهو نفسه غير اسمه من امينحوتب الى اخإنأتون أي سادنآتون.

وغيره من المشابهات فيما يبدو إنها ليست سلفية إسلامية ولكن بردها لجذورها تظهر كسلفية أخناتونية استلهمت ما فعله الملك أخناتون لفرض تصوره بأن نسخته لفرض تصورهم الخاص عن الإسلام .

في زمان أخناتون حدث وأن تآمر عليه كهنة آمون وأطاحوا به بشكل أو بآخر .
أما أخناتونيونا الجدد ماذا علينا أن نفعل حيالهم : هل يستطيع الأزهر مثلا كمؤسسة دينية رسمية التآمر من أجل الصالح العام للتخلص من التطرف الإسلامي .
هل هو إجراء سيادي من الدولة والذي اثبتت التجربة انه معالجة خائبة للنتائج وليس الأسباب مما فشل في نزع جذور التطرف المتشبثة بأرض مصر .
أم هو علاج شعبي ومجتمعي.

القدماء رفضوا تطرف أخناتون شعبيا ووقتما سقط عادوا لتسامحهم الديني وتعدداتهم .. فهل يفعل المحدثون المثل أم أن خيار التسامح يخص رقي شعب قديم قد ولى اختياره من زمن .

هبه يونس النيل
27 أغسطس 2014

(1) ص189 دونالدريد فورد ت. بيومي القنديل – أخناتون ذلك الفرعون المارق ، دار الوفاء – الإسكندرية 2000
(2) بكري عبد الحميد – أخناتون فرعون التوحيد ، دار الهلال – 2007
(3) An Analysis of the Pharaoh Akhenaten’s Religious and Philosophical Revolution – Laura Taronas Tufts University, 2012.
(4) فورد ، مصدر سابق

التطهر.. آخر أسرار الهيكل

pJAjSmh4KyI

مثلما كانت الرحلة هي الكنز في رواية الخيميائي  ساحر الصحراء لباولو كويلو : من أكثر الروايات مبيعا في العالم أجمع ، كان التطهر هو الكنز في رواية آخر أسرار الهيكل لبول سوسمان.

    بول سوسمان كاتب وصحفي وعالم آثار انجليزي ، صُنفت كتاباته من الأكثر مبيعا في العالم ، أشهر أعماله : الواحة الخفية، متاهة أوزوريس، جيش قمبيز المفقود وغيرها ؛ تنتمي رواياته لنوعية الأدب البوليسي أو التشويقي ويتميز دائما بتفرد الأماكن التي تدور فيها الأحداث  فهي دائما ماتستلهم أماكن خاصة وساحرة في الشرق وبالأخص في مصر .

    تدور أحداث رواية : آخر أسرار الهيكل حول البحث عن كنز يهودي قديم، من خلال ثلاثة شخصيات رئيسية وهي : يوسف خليفة وهو ضابط مصري ، آرييه بن روي  ضابط إسرائيلي ، وليلى مدني صحفية فلسطينية  ؛ تتشابك مصائرهم من خلال العمل حتى يجد كل منهم ضالته.

فرغم تأكيد الكاتب على شيطانية الشر وكيف أنه يتبعه كراهية وعنفا وغضبا لايختفي عبر الأجيال، متمثلا في الحروب ؛ فالرواية تبدأ لحظة الحروب الصليبية وقتما ضاع الكنز كأنما هو استحضار لحادثة الشر الأولى المتفق عليها بين الأديان الإبراهيمية الثلاث من قتل قابيل لأخيه هابيل. وتستحضر الرواية مشاهد من الحرب العالمية وممارسات النازية في معسكرات الإعتقال وإن كانوا أطفالا. وأوضح الكاتب أن من تعرض للقهر والظلم في السابق هم متطرفي اليوم ومشعلي الحرائق. كأنما هي لعنة الكراهية التي لاتأتي غير بالكراهية والعنف. عارضا في مشاهد عابرة منابر الإرهاب والتطرف في الجوامع وشيوخ الجهاد الذين يتم توجيههم بالأموال والتبرعات.

لتنتهي الرواية بالأمل في السلام في مشهد السياسيين : الفلسطيني والإسرائيلي، مرصودي وميلان يعلنان حزبا مشتركا معا في سباق خيري وفي خلفية الصورة يتربص الإرهابيون بهما ؛ مشيرا الى الخيانة والغدر اللذين يتربصان بالخير.

ويظهر على مدار الرواية رسالة مكررة للشخصيات وهي التطهر : الدرس الذي تعلمه الثلاث شخصيات الرئيسية والثانوية والقاريء أيضا مما أوصلهم للراحة والسكون بنهاية العمل .

فليلى مدني : صحفية فلسطينية الأب ، بريطانية الأم ؛ قتل والدها أمامها على يد شاب فلسطيني متحمس لإنه كطبيب عالج جنديا إسرائيليا. ولم تصل للشعور بالراحة والسلام إلا عندما تطهرت من مقتها وكرهها لأبناء وطنها الفلسطينيين وقررت أن تمجد ذكرى أبيها بأن تفعل مثله وتمنع قتل الأبرياء فوصلت للسلام الأخير .

آرييه بن روي : ضابط إسرائيلي ماتت خطيبته بين يديه إثر هجوم إنتحاري فلسطيني على عرس ، وعندما تطهر من كرهه للفلسطينيين، وأنقذ حياة يوسف خليفة الضابط المصري  أصبحا صديقين، وعندها وجد ضالته وسلامه وبدأ حياة جديدة وعلاقة جديدة.

ويوسف خليفة : الضابط المصري المسلم الذي ظل يصارع نفسه والسلطات من أجل إعادة فتح التحقيق في مقتل سائحة إسرائيلية ، متغلبا بذلك على ميراث الكراهية والغضب الذي يوثقه فقهاء التطرف كأمر واقع ودائم بين الديانتين اليهودية والإسلامية .

ويظهر أيضا ان الشخصيات الثانوية في الرواية : جاهدت للتطهر حتى تصل للسلام من خلال نموذجي السياسيين الأنقياء : صائب المرصودي شاب فلسطيني واعد، مات أبوه في السجون الإسرائيلية وأخوه جراء قذيفة ولكنه قرر أنه لامجال لمزيد من العنف ، وانما الحل هو مائدة التفاوض في محاولة لكسر دائرة  العنف مع السياسي الاسرائيلي. يهودا ميلان رجل سلام ، رفض أن يحل الحقد في قلبه إثر موت ابنته الشابة على يد انتحاري فلسطيني فقرر أن يضع الكراهية جانبا ويقاتل مع مرصودي الذي بات صديقا له، من أجل غد وطنيهما.

   وكعادة بول سوسمان في إدراج التاريخ بأعماله ، يربط الرواية بنبوءة تنطلق منها الأحداث : ” ثمة ثلاث علامات. الأولى يأتي أصغر الإثنى عشر وبيده نسر ، والثانية يقف ابن إسماعيل وابن لإسحاق معا كصديقين في بيت الله ، والثاثلة يصبح الأسد والراعي واحدا وفي عنقهما مصباح. حين تتحقق هذه العلامات ، يحين الوقت المناسب ” ص11 و ص391

تنتهي الرواية بتحقق النبوءة : التي تفسيرها أن اتحاد يوسف وآرييه في نفس المصير كما هو اتحاد الشرق الأوسط في نفس المسار، هو الترابط من أرشدهم الى كنزهم. فالكنز هنا كان التطهر والسعي للحب والأخوة الإنسانية مستحدثا بالرواية نبوءات تراثية أخرى مختلفة عن أحاديث المقت المعروف شيوعها بين الإرثين .

فظهر الكاتب كأنما يؤكد معنى تفاؤلي مبجل، ألا وهو أن المستقبل بأيدينا نحن وهو خيارنا الخاص الذي يحدد لنا كيف نوجهه وكيف نغيره لما هو أجمل وأسعد. برغم كل جنود الكره المتربصة بالحالمين والتواقين للسلام.

هبه يونس النيل
٢٥ أغسطس ٢٠١٤

* آخر أسرار الهيكل – بول سوسمان : الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت / لبنان ، الطبعة الأولى ، 2010 .