Category Archives: كتابات حرة

ضوضاء انفجار الهند

 

download (4)

كيف انفجر المجتمع ؟ سؤال يطرحه الكثيرون إثر حوادث ملفتة للرأي العام العالمي : كالعنف الطائفي ، اغتصاب جماعي أو نهب مسلح دموي في احدى دول العالم الثالث المكتظة بالسكان كالهند ؛ فيظهر هذا العنف المستمر كروتين يومي.

ويطرح الفيلم البوليودي الشهير “ضوضاء في المدينة أو هكذا يُترجم Shor in the city ” – 2011 ، مقطع عرضي للمجتمع الهندي المعاصر في مومباي ؛ بواقعية شديدة وبلا رتوش أو تجميل : يسرد قصص لثلاث نماذج متباينة : ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا في هذا المجتمع جميعهم تضطره الظروف المتأزمة للجريمة.

فآبهاي / سيندهيل رامامورثي Sendhil Ramamurthy  ، شاب ثري نسبيا ، عائد من أمريكا لإقامة مشروع صغير ، لايعلم عن تغير الأوضاع الحالي في البلد . يبدأ تصادمه مع الواقع بأحد العمال الخدميين يلح لمساعدته ويلح لأخذ بقشيش في تنويه عن مشكلة العمالة الخدمية التي في حقيقتها بطالة مقنعة ويتبين لاحقا انه أحد البلطجية في عصابة المنطقة لفرض الإتاوات.

عصبة الثلاث شباب (ماندوك /بيتوباش ، راميش/ نيكيل دوافيداي ، تيلاك / تاشار كابور ) وهم عصابة فقيرة وغير مؤذية كل منهم يمثل نموذج شائع في هذا المجتمع :

فراميش : شاب سلبي سهل الانقياد ، ماندوك : شاب سطحي مهووس بالفتيات واجسامهم وتصويرهم

وتيلاك : صاحب مطبعة غير مصرحة تعيد طباعة الكتب خلافا لحقوق الملكية الفكرية وبنصف ثمنها لتوزيعهم في إشارات المرور . يقومون بأعمال سطو غير خطيرة كالسطو على كتاب لمؤلف كبير أو نشل شنطة بدون اكراه يتبين ان فيها اسلحة.

وسوان / صانديب كيشان شاب محدود الدخل ، يريد أن يصبح لاعب كريكيت – لعبة من الكرة والمضرب –ويطالبه مدير النادي برشوة 1,000,000 روبية لإلحاقه بالفريق .

تتصاعد احداث الفيلم لتتأزم الأمور فبعد النظرة الأولى على بدايات تقليدية للشخصيات تتكشف تحت السطح حقائق أخرى ويكتشف المشاهد أزمة الأبطال الذين باتوا مضطرين للانصياع للفساد ؛ ويكتشف معهم الحل الذي توصلوا له . فساوان رسم خطة سطو على البنك المجاور وعرضها على مقاول حشد سياسي ليتمكن من دفع الرشوة ، آبهاي الثري يشتري سلاح “محلي” من ماندوك أحد الثلاث شباب ، وعصبة ال3 شباب يقرروا تنفيذ خطة ساوان : لاعب الكراكيت في السطو على البنك .ينتهي انفجار الوضع بانتهاء المشاكل والراحة في نهاية سعيدة تغلفها احتفالات الإله جانيش .

ويظهر هدفا أساسيا للفيلم : وهو تشريح المجتمع لكن هذا الهدف قد يكون مشتتا بعض الشيء ومضرا لتشابك وتواتر الأحداث فيبدو الفيلم كثلاث أفلام منفصلة ومتوازية لاتتداخل إلا في ال15 دقيقة الأخيرة من مدة 2:15ق طول الفيلم.

يبرز الفيلم تناقضات المجتمع في أكثر قيمه سمو فتظهر السلوكيات مدعية أو خالية من مضمونها.

تناقض المجتمع بخصوص الوطنية : يظهر في مشهد قصير مقاول الحشد السياسي ” …” الذي يتعامل مع المعارضة كباب رزق للتكسب ، يخطب في قريبه “ساواي” لاعب الكريكيت محفزا اياه على الرياضة ” نعم ، العب من أجل وطننا الهند ” ، فيعرض مفارقة الوطنية فيمن يبدو كشخص يتكسب من وطنيته.

تناقضه بخصوص الاحتشام والمحافظة : يظهر مشهد عابر لفتاة محجبة تغطي وجهها ويظهر اسفل ظهرها من بنطلون شديد الضيق ، فيما يشبه العفة الظاهرية . ويعرض الفيلم نموذج فتاة تضاجع الشباب على الانترنت وترفض أن تتحدث معهم في الواقع مشددة على مظهر الالتزام . مما يصور قضية المحافظة في المجتمع كمحل إدعاء.

تناقض بخصوص الحب والزواج : فبيما المجتمع يضيق الخناق على التعارف قبل الزواج وتبدو طقوس الخطبة تقليدية للغاية وتتبع طريقة الصالونات ؛ يظهر كورنيش مومباي مكتظ بالأحبة الذين يتبادلون القبل المحمومة ، يفصلهم امتار قليلة عن بعضهم في وضع خالي من الخصوصية.

تناقضات تسيء للمجتمع تترد جملة ” انهم كلاب / هو كلب بلا قيمة ” حوالي ال4 مرات في الفيلم على لسان شخصيات مختلفة في العمل ؛ فيما يظهر كيف يرى أطياف المجتمع بعضهم البعض . فبينما قالها الشرطي المرتشي عن البلطجية ، قالها البلطجية على عامل الشركة بعدما قتلوه وعلى ماندوك أحد الشباب الثلاث وبنهاية الفيلم قالها “آبهاي” الثري على البلطجية وهو يتعامل معهم . فكل فئة ترى الأخرى كلاب لاتستحق تعامل جيد ومن ثم ترى من الشرعي أن تسيء لها أو حتى تقتلها .كل تلك التناقضات كانت بمثابة البارود القابل للاشتعال مثل مشاهد نهاية الفيلم ، على اثرها انفجر الوضع في البلد.

وعن اختيار الملابس جاء موفقا فكل شخصية تظهر بما يلائمها ، ويظهر بشكل مميز تي شيرت لماندوك يبرز بلغة الصورة غياب الاتساق في الوضع . فبينما هو يرتدي تي شيرت عليه مسدس مزين بعلامة ممنوع حمراء بما يوحي بالسلمية أو غياب السلاح، يذهب هو واقرانه لتفجير قنبلة . وبينما يقوم بتهديد رجل بسلاح  تلتقط كاميرا المخرج صورته في المرآة مرتديا تي شيرت عليه كلمة حب بالمقلوب . 

التمثيل: كان بشكل عام جيد وغاب عنه الدرامية الشديدة والمعتادة في الأفلام الهندية وبالأخص آداء آبهاي والبلطجي وغيرهم ، كما ظهر خط آداء هزلي اخذ يتصاعد في ذروة المشاهد الخطرة أو المأساوية للتخفيف من مرارة او ايلام الصورة على المشاهد . كثناء الكاتب المختطف على عملية خطفه مجاملا اياهم ببراعة الاختطاف أو تخبط الشباب وهم يحاولون تفجير الفنبلة .

جاء آداء البطولات النسائية ملائما للحكاية بأغلب الوقت ف”شاميلي / بريتي ديساي” الموديل المتحررة تتعامل مع جسدها كسلعة ، فكلما قابلت آبهاي تطلب منه شيئا رغم ان آدائها في مرافقته لايظهر فيه أي مشاعر وتبادله التقبيل باستغراب وبرود.

واجادت زوجة تيلاك في الآداء فتظهر اللهفة له في حركة الشفاة ونظرة الأعين المشتاقة موصلة للمشاهد المسكوت عنه في علاقتهم الحميمية .

الإله جانيش ، يظهر كمخلص لأبطال العمل في مشهد النهاية فهو اله النجاح وازالة العراقيل ينهي الفيلم بنهاية سعيدة للجميع ، ويظهر تعبده بالصندلية الحمراء ورمزيتها في تنقية الفضاء والسلام كرد على عنوان الفيلم : كهدوء مقابل ضوضاء المدينة ، أو هو الهدوء الذي تلى الانفجار .

داعش..والحرب على الإنسانية

injured-by-shooting-of-terrorist-mall-kenya-nairobi-21-09-13-b

صورة من هجوم إرهابي على مول بكينيا

داعش / القاعدة السيناوية / دالم ، كلها أسماء متعددة لنفس الوجه المتطرف.. فقادة الإسلام السياسجهادي ليسوا باشا شركسي ملازم للقلعة أو ملك لا يغادر قصره ولا يهمه الرعية ، إنما هو نظام بديل لخلخلة كاملة لمنظومة الدولة بكلياتها .

    الدولة بمكوناتها الأكثر تجريديا هي : حكومة ، مجتمع ، فرد بترتيب هرمية السلطة . فالدولة تطبق القوانين التي تنظم المجتمع ، والمجتمع يطبق منظومات اجتماعية ترتب معاملات أفراده ، ويقوى أو يضعف دور الدولة بحسب طبيعة المجتمع زراعي ، صناعي ، بدوي .

هلاکت عمر چچنی سرکرده القاعده در حلب + تصویر

صورة لمقاتلين في سوريا يظهر انهم من جنسيات متعددة

وما يميز الوجود الحقيقي لأي من هذه المكونات هو السلطة :
فلكي تكون حكومة يجب أن تمتلك سلطة تطبيق القوانين في حدود الدولة..
والمجتمع لكي يصبح كذلك يحتاج لأعراف تنظم علاقات الأفراد ببعضهم لكي لا تصبح فوضى وبخاصة فيما يتعلق بتلبية الاحتياجات الفردية .
والفرد يجب أن يمتلك سلطته على ذاته لكي يكون حرا ، في حدود عدم الإضرار بالآخر في المجتمع ، وحدود سلطة الفرد وحريته قد تم تحديدها جليا في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.
وإجمالا الحكومة والفرد والمجتمع يشكلون النظام العام للدولة .
أما ، خطورة دالم وإخواتها هو الخلخلة الكاملة لهذا النظام إجمالا وفرادى..

فهي جيوش بلا جنسية محددة أو أيديولوجية بخلاف الهوية الإسلامية ، وبلا وطن أو أرض وبلا مقدسات فحتى الكعبة قيل أن في مخطط داعش هدمها لأنها تعبد من دون الله .
وهم جاهزون ببديل يطيح بالحكومة ويطبقون هم الأحكام التي يرونها شرعية بالقوة والتجنيد الواسع حتى للنساء والصبية.
وقواعدهم هي ما يفرضوها على أعراف المجتمع فإذا تعارضت مع الأعراف سادت قوانينهم .
يكسرون سلطة الفرد وحريته تماما بالتحكم به جسديا وذهنيا : فالشباب ملزمين بملابس إسلامية ، ملزمين بالختان وإطلاق اللحية وعدم لبس الذهب وغيره والنساء ملزمين بالحجاب وعدم تهذيب الحواجب وعدم الاختلاط وغيره .

صورة من مجازر داعش

صورة من مجازر داعش

فانكسار سلطة ال3 مكونات على ذاتها وفيما بينها كفيل بكسر نظام الدولة كله وانهياره .
وهذا ماقد أنام المصريين في الكهف منذ العزو الإسلامي لمصر ، تسليم السلطات للغير.

الأزمة الحادثة الآن ، هو عدم جاهزية الدولة والدول العربية ببديل
فالحكومة مهترئة تعاني من الفساد العارم حتى هذه اللحظة ، تقريبا فاقدة للسلطة على الحدود وحتى مفهوم الدولة نفسه متذبذب وركائزه غير واضحة بخاصة فيما يتعلق بعلمانية الدولة التي اعتمدت في السابق على ترسيخ الهوية الدينية للحكومة .(الرئيس المؤمن و القوانين الشرعية والبنوك الإسلامية وغيره )
المجتمع : مشتت ، متنافر ومختلف جدا في كل شيء وليس عنده منظومة موحدة من العادات والتقاليد والقيم الأخلاقية .
الفرد : نحن نتحدث عن مواطنين 40% منهم أميين والمتعلمين منهم ضحلي الثقافة في الأغلب ، أي لا يمتلكون ذهنية مستقلة وأغلبهم بلا حرية فردية وليس عندهم منظومة شخصية من القيم والركائز تجعلهم يتعايشون خارج النظام الديني ذو الفتوى في كل شيء .؛ فكثير من الشباب والكبار يعتمدون على من يفكر لهم ويقودهم في الحياة : زوج ، زوجة ، أب ، أم ، خليلة .

فبين نقصان الرؤية والارتباك المذهبي وإرتكان الكثيرين عليه في تواكل لتنظيم حيواتهم وطريقة معيشتهم يكون تسلل جيش مرتزقة كدالم أمر مخيف وعدو متخفي كان سيصبح ظاهرا ووضاحا لو امتلك كل بوصلته واتجاهه .

كثيرون حاولوا تصنيف حروب دالم/داعش كحروب طائفية بين طائفتي مسلمين احدهما متشدد والآخر وسطي فيما أشبه بحروب أمريكا بين الكاثوليك والبروتستانت إبان التأسيس.
ويرى البعض إنها أشبه بحروب الدولة الرومانية الكاثوليكية على أقباط مصر الأرثوذكس إبان الحكم الروماني ؛ أي كحروب لإخضاع الجميع لنسخة خاصة وموحدة من الدين .
لكن خطورة تلك الحرب ليس فقط أن جيشها قابل للتوسع بأي جنسية وأي فئة ، مما يجعلها حربا عالميا أخرى ضد الحضارة الإنسانية الآن ، و ليس لأنها حربا استعمارية من مرتزقة يريدون وضع أياديهم على خيرات الدول لكن لكونها حربا استعبادية : تستعبد البشر ذهنيا وجسديا وتستلبهم تماما وتبرمجهم كآلات حرب واعدين إياهم بحياة أفضل في الجنة .
فهم لايغزون بلدك / ذهنك / حكومتك مرة بل عشرات ومئات المرات يتم فيها احتلالك بالكامل .

فهذه ليست حرب ضد نظام سياسي قمعي أو بلطجي يفرض إتاوة أو أو .. هي حربنا ضد التدمير الذاتي النابع من بيننا وخلفنا وحولنا هي حربنا ضد من يريدون هدم المعبد لأنهم لم ينالوا كفايتهم من الخمر / فالعدو هنا ممكن أن يكون بأي مكان بين بيوتنا وشوارعنا ومؤكد انه في كل انعطافات الحواري والأزقة الضيقة.

عنصرية مصر الزائفة

download

كثيرون قد لامسوا بشكل مباشر أو غير مباشر ممارسات تميزية أو عنصرية في الشارع المصري . من جماعات أو حالات فردية أو ممارسات تميزية من الحكومة أو الدولة ككل .
لكن ورغم وجود العنصرية* في الشارع بتعريفها : كإنكار للحق الإنساني لآخر وتفاعلاته مع المجتمع بناءا على حكم مسبق يؤدي إلى اضطهاده ، إلا إنها عنصرية زائفة في جوهرها ولا تستند على إيمانات حقيقية وإنما هي غطاء لأزمات أخرى لها علاقة بالفقر وقلة الموارد والفرص المتاحة وانخفاض مستوى التعليم والمتعلمين الثقافي .

فمن حالات الممارسات الفردية : حالة المخرجة الشابة ندى مع صيدليات سيف حيث رفض الصيدلي التعامل معها بحجة إنها سوداء ، أو محاولة الاغتصاب التي تعرضت لها فتاة سوداء بريطانية الجنسية ، إلى هتافات تحمل الإهانة تتعلق باللون في الشارع والكلية والمدرسة وغيره.

الشركات والمؤسسات التي ترفض تشغيل سمراوات وسوداوات في خدمة العملاء والوظائف الخاصة بالعرض أو كواجهة للمؤسسة.
أفكار وممارسات مجتمعية وسياسات اجتماعية حتى فيما يخص الزواج والجمال و مستحضرات التجميل التي تقرن الجمال بالمواصفات الأوروبية وفيما عدا ذلك هو أدنى .

الممارسات السياسية الخاصة بتجاهل وإهمال الأقليات العرقية والإقليمية في التمثيل السياسي .
الحكومة التي تتجاهل الأمازيغ والبدو والنوبيين وأهل حلايب وشلاتين وغيرهم من الأقليات ، أما فيما يخص حالة النوبيين فاضطهاد الحكومة لهم كان منذ الحرب مع محمد علي ومملكة النوبة المسيحية حينها وبعدها عندما أراد الخديوي عباس حلمي تشيد خزان أسوان ففجر المجرى على أهل النوبة بدون تحذير وغرق من غرق في ما أشبه بالتطهير العرقي أو العداء العرقي .

ثم جاء عبد الناصر بعدها بغدره المعروف لمحمد نجيب السوداني الأصل وكان أول ما فعله عند بناء السد العالي أن تجاهل النوبيين ومطالبهم وعوضهم بقيم بخسة جدا من قيم أراضيهم ، دافعا بهم في الفقر والشتات بكل أنحاء مصر .
وما زالت الحكومة المصرية تمنع أي مذيعة سمراء من الظهور في التليفزيون المصري منذ تأسيسه ومازال الجيش المصري يسرح الضباط المسيحيين الكبار وما زالت المرأة عاجزة عن أخذ حقها في المجالات الوظيفية والرياضية وبأغلب المناصب.
مازال التميز هو القاعدة الشرعية في مصر.

ربما لذلك حدث الانعزال الرافضي عند النوبيين الذي عده البعض عنصرية مضادة أو جيتو دولة داخل دولة ، فرغم إصرار النوبيين على تزويج أبناءهم من نفس العرق وأن لهم لغة ومأكولات وعادات وطباع مغايرة ألا انه انعزال لمداواة جرح الاغتراب والتهجير والإفقار والعنصرية اللاحقة من المجتمع وليس كرها أو إهانة للآخر .

العنصرية بمصر زائفة لأنه استنادا على دوافع النفسية للعنصرية المذكورة بمجلة : psychology today ، لا تنطبق

  1. التضخيم والاحترام من الذات
  2. التميز الإيجابي
  3. الإيمان بالمطلقات
  4. البقاء
  5. السيطرة والتسيد

ال5 دوافع كلها مزيفة في حالة المجتمع المصري ويمكن اختصارها في قلة الرزق.

فبسبب شعور الكثيرين بالدونية الناتجة عن سنوات القمع السياسي والإنساني الطويلة ، يسعى المواطن لتضخيم شعوره بالذات عن طريق اضطهاد من هو مثله ولكن من عرق أو نوع أو طائفة مختلفة فيما أشبه بالتوحد مع سلوك القاهر هنا وهو الحكومة الفاسدة والقمعية في عهد مبارك ومن سبقه.

التميز الإيجابي غير فعال في حالة مصر بسبب التباين الشديد لأصول المصريين وكون مكانها الجغرافي مصب طبيعي منذ القدم لجنسيات عديدة .
ولذا كان البقاء غير مرتبط بقتل التنوع حيث كان الواقع بذاك الوقت هو تعايش الليبيون والنوبيون واليهود وغيرهم من الوافدين معا بلا تميز في مصر القديمة ووصول بعض الجنسيات الأجنبية لبيوت الملك وقلب تكوين الجيش .

الإيمان بالمطلقات هو طريقة تفكير وكثيرا ما تلازم المتشددين دينيا ، فالإسلام مثلا يؤكد على أن شرف الإسلام هو فوق كل شرف مميزا هنا بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة وكذلك فيما يخص العرق أو اللون فجميلات الجنة بيضاوات والحديث الذي ربما يصنفوه كضعيف يقول : تخيروا لنطفكم ، وانكحوا في الأكفاء ، وإياكم والزنج فإنه خلق مشوه محرضا على ترك الزواج بمن هو غير عربي لأنهم أدني ، فجانب من الإيمان الشديد بالمطلقات الإسلامية لا ريب قد يعزز النزعة التميزية للمتدينين .

السيطرة ، هي سلطة في حالة الحكومة وهنا هو سلوك فاسد متخبط أكثر منه اضطهاد منظم ، بالطبع به تجاهل وعداء سلبي لكنه يغلب عليه عداء الجهل والكسل الحكومي عن آداء الواجب وحل المشاكل .
وفي حالة المجتمع هو غطاء للسيطرة على الموارد ، فالنزاعات دائما ما تحدث على الموارد القليلة.

عنصرية مصر ، مثلها مثل الكثير من المظاهر الطارئة والغير معتادة الظهور في المجتمع ، عرض يخبيء تحته مرض عضال وهو الفقر .
مصر تحتاج للتميز ضد الفساد والرشوة والإفقار وليس ضد كل ما هو أقلية فبالمختلفين المميزين تحدث طفرات الأمم .

* تعريف ويكيبيديا للعنصرية

سلفيون كأخناتون

akhnaton_n_nefertitiولما كان هذا القرص حاكما مطلقا للكون ، فلقد استحق التوقير الذي يجدر بالملوك : فكل الذين يكونون في معية الملك يروحون ويغدون في وضع الركوع ، أو يقبلون الأرض عند قدميه من ترنيمة آتون “(1)

الآتونية أو ديانة قرص الشمس التي ترى انه لا إله غير آتون : قرص الشمس وواهب الحياة فهي الديانة الجديدة التي أسسها أخناتون أو امنحوتب الرابع الملك المصري القديم ، وعلى إثرها تغيرت العاصمة لأخيتاتون أو مدينة الشمس . عطل أخناتون لذلك معابد الآلهة الأخرى و فرض بكل ما استطاع من قوة الآتونية على شعبه.

هناك ثلاث مدارس بخصوص طبيعة الديانة الآتونية (2)
فمدرسة ترى إنها ديانة توحيدية ولدت بنزعة مبكرة عند أخناتون ، لأنها وحدت ألآلهة في اله واحد وهو آتون ؛ كما ورد في الترنيمة الكبرى أنت الإله الواحد الذي وجد منذ الأزل ، انت آلة الحياة وواهب الحياة ولا حياة إلا بك “ (3).

وفي مدرسة أخرى إنها ديانة متعددة الآلهة ، فقد تواجدت معها آلهة أخرى وإن كانت ثانوية.

وترى المدرسة الثالثة أن الآتونية هي إلحاد مبكر إذ أن أخناتون كان يرى في قرص الشمس مسبب للحياة وليس صانع أكوان ، فهنا كانت الديانة قائمة على السببية ليس بها أي اله معجز.

يوضح الكاتب دونالد فورد في كتابة أخناتون هذا الفرعون المارق كيفي قام أخناتون بوضع يده على الدولة ومحاربة نفوذ كهنة آمون . ولأن مصر وقتها كانت دولة مترامية الأطراف ، احتاج حاكمها حينئذ لتبرير توسعاته وتوسيع امبراطوريته بدين ورواية تقول أنه ابن الإله الشمس المدلل الذي أعطي ملك الأرض ولأنه الملك فكان منطقي أن يحيد العبادات لآتون دون غيره من الآلهة للاستيلاء على كنوز المعابد كلها ، فهذا هو الضامن القوي لإخضاع ثروات المعابد وعطايا الشعب لها كالمواشي والأراضي الزراعية الشاسعة وغيرها لقبضته ، بمنأى عن كهنة آمون.

أما الأخناتونيون الجدد ، أو السلفيون أو المتطرفون الجدد مثل أخناتون وجماعته يفرضون ديانتهم بالقوة والإجبار . ربما هذا نعت يخص متطرفي الإسلام في هذه الأيام لكن بعض الباحثين كأحمد عثمان يرى أن أخناتون وموسى هما نفس الشخص ؛ و فرويد يرى أن الديانة الموسوية ما هي إلا آتونية أخرى وبالأخذ في الاعتبار أن الإسلام قد ورث أغلب تعاليم اليهودية ، نكون هنا أمام أخناتونيون جدد .
فرويد قد أفرد نظرية في كتابه موسى والتوحيد مفادها أن موسى كان مصريا من مدرسة الآتونية أو كهنتها وأن تأسيسه لديانته ماهو إلا إعادة تدوير للآتونية بعد أن اكسبها أسماءا وتفاصيل أخرى ؛ وقد استند في كتابة على التحليل السيكلوجي وبعض الحجج منها أن ديانة شمولية كديانة أخناتون ترى أن آتون هو اله الأرض جميعا ، لا يمكن أن تنبثق عن أقلية عرقية بمصر كالعبرانيين لما يتطلبه ذلك من إمبراطورية ضخمة ومؤسسات دولة قوية تفرض سيطرة هذا الإله الموحد على الأرض وتجسد تموذج نظامه الكوني في آخر أرضي لإقناع الأتباع .
ويرى الكثيرين من الباحثين وعلماء الأديان تشابه حد التطابق في تعاليم اليهودية والإسلام ربما لوحدة المصدر كأديان إبراهيمية – :
في أفكار جوهرية كالتوحيد مثلا
في رؤى عامة كموقع المرأة وتعدد الزوجات
وفي عبادات : مثل شكل الصلاة الذي لا يفرق غير في شكل امتداد اليد وكما الصوم وتطبيق الحدود بالجَلد .

لذا ، يبدو متطرفو اليوم كأنما يجترون سلفية الأخناتونيون وممارساتهم لفرض شكل عبادة خاص بهم. فمثلما دمر تطرف داعش والقاعدة تماثيل لبوذا وأضرحة في العراق بحجة الكفر فقد فعل أخناتون المثل وحرم الصور الأخرى للإله الشمس وأي تجسيد يشبه آتون بالإنسان واختفت رموز الآلهة الأخرى من الهيروغليفية حتى الكتابة نفسها مالت للتجسيد الصوتي وليس تجسيد شكلي في عهده . (4)

ومثلما يغير مجاهدي داعش والقاعدة أسمائهم لأسماء قريبة من أسماء الصحابة أو الأسماء الموصى بها في الإسلام (ما حُمد أو عُبد) ، قد حدث ذلك بعد غلبة الإسلام في مكة فتغيرت أسماء المسلمين مثل عبد اللات لعبد الله مثلا ، كان أخناتون من ابتدع ذلك منذ 2000 عام حيث أجبر الذين يحملون أسماء مركبة بها اسم آمون على تغيرها وهو نفسه غير اسمه من امينحوتب الى اخإنأتون أي سادنآتون.

وغيره من المشابهات فيما يبدو إنها ليست سلفية إسلامية ولكن بردها لجذورها تظهر كسلفية أخناتونية استلهمت ما فعله الملك أخناتون لفرض تصوره بأن نسخته لفرض تصورهم الخاص عن الإسلام .

في زمان أخناتون حدث وأن تآمر عليه كهنة آمون وأطاحوا به بشكل أو بآخر .
أما أخناتونيونا الجدد ماذا علينا أن نفعل حيالهم : هل يستطيع الأزهر مثلا كمؤسسة دينية رسمية التآمر من أجل الصالح العام للتخلص من التطرف الإسلامي .
هل هو إجراء سيادي من الدولة والذي اثبتت التجربة انه معالجة خائبة للنتائج وليس الأسباب مما فشل في نزع جذور التطرف المتشبثة بأرض مصر .
أم هو علاج شعبي ومجتمعي.

القدماء رفضوا تطرف أخناتون شعبيا ووقتما سقط عادوا لتسامحهم الديني وتعدداتهم .. فهل يفعل المحدثون المثل أم أن خيار التسامح يخص رقي شعب قديم قد ولى اختياره من زمن .

هبه يونس النيل
27 أغسطس 2014

(1) ص189 دونالدريد فورد ت. بيومي القنديل – أخناتون ذلك الفرعون المارق ، دار الوفاء – الإسكندرية 2000
(2) بكري عبد الحميد – أخناتون فرعون التوحيد ، دار الهلال – 2007
(3) An Analysis of the Pharaoh Akhenaten’s Religious and Philosophical Revolution – Laura Taronas Tufts University, 2012.
(4) فورد ، مصدر سابق

التطهر.. آخر أسرار الهيكل

pJAjSmh4KyI

مثلما كانت الرحلة هي الكنز في رواية الخيميائي  ساحر الصحراء لباولو كويلو : من أكثر الروايات مبيعا في العالم أجمع ، كان التطهر هو الكنز في رواية آخر أسرار الهيكل لبول سوسمان.

    بول سوسمان كاتب وصحفي وعالم آثار انجليزي ، صُنفت كتاباته من الأكثر مبيعا في العالم ، أشهر أعماله : الواحة الخفية، متاهة أوزوريس، جيش قمبيز المفقود وغيرها ؛ تنتمي رواياته لنوعية الأدب البوليسي أو التشويقي ويتميز دائما بتفرد الأماكن التي تدور فيها الأحداث  فهي دائما ماتستلهم أماكن خاصة وساحرة في الشرق وبالأخص في مصر .

    تدور أحداث رواية : آخر أسرار الهيكل حول البحث عن كنز يهودي قديم، من خلال ثلاثة شخصيات رئيسية وهي : يوسف خليفة وهو ضابط مصري ، آرييه بن روي  ضابط إسرائيلي ، وليلى مدني صحفية فلسطينية  ؛ تتشابك مصائرهم من خلال العمل حتى يجد كل منهم ضالته.

فرغم تأكيد الكاتب على شيطانية الشر وكيف أنه يتبعه كراهية وعنفا وغضبا لايختفي عبر الأجيال، متمثلا في الحروب ؛ فالرواية تبدأ لحظة الحروب الصليبية وقتما ضاع الكنز كأنما هو استحضار لحادثة الشر الأولى المتفق عليها بين الأديان الإبراهيمية الثلاث من قتل قابيل لأخيه هابيل. وتستحضر الرواية مشاهد من الحرب العالمية وممارسات النازية في معسكرات الإعتقال وإن كانوا أطفالا. وأوضح الكاتب أن من تعرض للقهر والظلم في السابق هم متطرفي اليوم ومشعلي الحرائق. كأنما هي لعنة الكراهية التي لاتأتي غير بالكراهية والعنف. عارضا في مشاهد عابرة منابر الإرهاب والتطرف في الجوامع وشيوخ الجهاد الذين يتم توجيههم بالأموال والتبرعات.

لتنتهي الرواية بالأمل في السلام في مشهد السياسيين : الفلسطيني والإسرائيلي، مرصودي وميلان يعلنان حزبا مشتركا معا في سباق خيري وفي خلفية الصورة يتربص الإرهابيون بهما ؛ مشيرا الى الخيانة والغدر اللذين يتربصان بالخير.

ويظهر على مدار الرواية رسالة مكررة للشخصيات وهي التطهر : الدرس الذي تعلمه الثلاث شخصيات الرئيسية والثانوية والقاريء أيضا مما أوصلهم للراحة والسكون بنهاية العمل .

فليلى مدني : صحفية فلسطينية الأب ، بريطانية الأم ؛ قتل والدها أمامها على يد شاب فلسطيني متحمس لإنه كطبيب عالج جنديا إسرائيليا. ولم تصل للشعور بالراحة والسلام إلا عندما تطهرت من مقتها وكرهها لأبناء وطنها الفلسطينيين وقررت أن تمجد ذكرى أبيها بأن تفعل مثله وتمنع قتل الأبرياء فوصلت للسلام الأخير .

آرييه بن روي : ضابط إسرائيلي ماتت خطيبته بين يديه إثر هجوم إنتحاري فلسطيني على عرس ، وعندما تطهر من كرهه للفلسطينيين، وأنقذ حياة يوسف خليفة الضابط المصري  أصبحا صديقين، وعندها وجد ضالته وسلامه وبدأ حياة جديدة وعلاقة جديدة.

ويوسف خليفة : الضابط المصري المسلم الذي ظل يصارع نفسه والسلطات من أجل إعادة فتح التحقيق في مقتل سائحة إسرائيلية ، متغلبا بذلك على ميراث الكراهية والغضب الذي يوثقه فقهاء التطرف كأمر واقع ودائم بين الديانتين اليهودية والإسلامية .

ويظهر أيضا ان الشخصيات الثانوية في الرواية : جاهدت للتطهر حتى تصل للسلام من خلال نموذجي السياسيين الأنقياء : صائب المرصودي شاب فلسطيني واعد، مات أبوه في السجون الإسرائيلية وأخوه جراء قذيفة ولكنه قرر أنه لامجال لمزيد من العنف ، وانما الحل هو مائدة التفاوض في محاولة لكسر دائرة  العنف مع السياسي الاسرائيلي. يهودا ميلان رجل سلام ، رفض أن يحل الحقد في قلبه إثر موت ابنته الشابة على يد انتحاري فلسطيني فقرر أن يضع الكراهية جانبا ويقاتل مع مرصودي الذي بات صديقا له، من أجل غد وطنيهما.

   وكعادة بول سوسمان في إدراج التاريخ بأعماله ، يربط الرواية بنبوءة تنطلق منها الأحداث : ” ثمة ثلاث علامات. الأولى يأتي أصغر الإثنى عشر وبيده نسر ، والثانية يقف ابن إسماعيل وابن لإسحاق معا كصديقين في بيت الله ، والثاثلة يصبح الأسد والراعي واحدا وفي عنقهما مصباح. حين تتحقق هذه العلامات ، يحين الوقت المناسب ” ص11 و ص391

تنتهي الرواية بتحقق النبوءة : التي تفسيرها أن اتحاد يوسف وآرييه في نفس المصير كما هو اتحاد الشرق الأوسط في نفس المسار، هو الترابط من أرشدهم الى كنزهم. فالكنز هنا كان التطهر والسعي للحب والأخوة الإنسانية مستحدثا بالرواية نبوءات تراثية أخرى مختلفة عن أحاديث المقت المعروف شيوعها بين الإرثين .

فظهر الكاتب كأنما يؤكد معنى تفاؤلي مبجل، ألا وهو أن المستقبل بأيدينا نحن وهو خيارنا الخاص الذي يحدد لنا كيف نوجهه وكيف نغيره لما هو أجمل وأسعد. برغم كل جنود الكره المتربصة بالحالمين والتواقين للسلام.

هبه يونس النيل
٢٥ أغسطس ٢٠١٤

* آخر أسرار الهيكل – بول سوسمان : الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت / لبنان ، الطبعة الأولى ، 2010 .

الخجول..الممثل..والمهرطق

                روبن ويليامز

 ” Captain o. Captain!  “

download (1)

صعدوا فوق كراسي وبنش المدرسة بالأحذية حتى يرون العالم بنظرة مغايرة ،
هكذا علمهم “كيتينج / روبن ويليامز” مدرس الأدب الإنجليزي الجديد في أكاديمية ويلتون ، بفيلم : جمعية الشعراء المتوفيين* .
بفيلم ، تتداخل فيه حياة عدة طلاب .. كل منهم له طريق وهدف ساعده فيه كيتينج وينتهي الفيلم برقض الإدارة لطريقة تدريس كيتينج ورفته.
مدرس ثوري ، يوجه طلابه ويفتح عيونهم على علم حقيقي وأدب حقيقي ورؤية مغايرة للعالم تختلف عن حفظ الكتب والتلقين .. فهو نفسه كان طالبا بنفس المدرسة وأراد أن يصحح مسار التعليم  بها.

وكأن الفيلم هو تجميعة من أجزاء شخص روبن وليامز في طلابه ..

فالخجول Todd : طالب علمه مدرسه كيتنج/ روبن ويليامز كيفية التعبير ، صفق له مع الطلاب عندما قرأ الشعر وساعده أن يعلي صوت داخله .
وفي الحقيقة كان روبن ويليامز طفلا خجولا ، لم يبدأ التخلص من الخجل إلا في المرحلة الثانوية عند التحاقه بمدرسة الدراما.

والمهرطق Charlie  : طالبه الذي نشر مقال في مجلة المدرسة يدعو لألتحاق الفتيات بالمدرسة والاستعلام بمكالمة تليفونية من الله ، فعوقب من إدارة المدرسة المحافظة دينيا .
وقد كان روبن ويليامز في نظر الكثيرين ملحد ، متحرر من الدين والألوهية ؛ لايكف عن السخرية من الله واصطناع نكات على الإنجيل والدين.
ففي إحدى نكات روبن ويليامز في برامج الستاند أب كوميدي يقول :
” هل ترون أن الله تم رجمه؟ نعم ، انظروا الى خلد الماء ”
بالإشارة الى أن خلد الماء موجود على الأرض منذ 61مليون سنة تقريا ومن الثديات التي تبيض .

واما الممثل Neil : الطالب الذي ينتمي لعائلة محافظة ، يخطط أبوه لإلحاقه بهارفرد ويطالبه بترك التمثيل ويشجعه كيتنج/روبن ويليامز مدرسه على شرح ميوله لوالده لإقناعه وشجعه على عمل مايؤمن به فقط ، يتجنب الشاب مواجه ابوه إثر بوادر الرفض وينتحر .
تماما ، كروبن ويليامز حيث وجد ميتا يوم 11 أغسطس 2014 بتشخيص مبدئي يفيد قيامه بالإنتحار.

نعم ، تبدو أجزاء حياته وشخصه الحقيقية موزعة بين طلابه في الفيلم ، فمثلما بدأ خجولا كطالبه انتهى منتحرا كلآخر . ومثلما كان معلما في الفيلم علم الكثيرين من المراهقين في العالم عبر فيلمه وأفلامه الأخرى قيم انسانية رفيعة وجامعة للنوع البشري ،
علمهم كيف ينظرون الى الأمور من وجه نظر مغايرة ،
وأن العلم رؤية أخرى للعالم وليس نصوص في الكتب
و أن الشعر ملازم للإنسانية والحياة
وعلمهم بالأخص ، أن يمشوا حياتهم بما يرون هم وليس بماهو مفروض عليهم : زحفا ، على ايديهم على ارجلهم أو قفزا بأي طريقة لانها حياتهم هم وأعمارهم هم ووقتهم هم.
والأهم ، هو ايمانهم بذواتهم ومايفعلون وقد طبق ما بشر به فهو ايضا ، قد انهى عمره ووقته في التاريخ الذي اختاره هو، بانهاءه لمعاناة الحياة فيظهر للعالم تضائل قدرته في التعاطي مع العالم كرجل مؤمن بذاته لم يستطع أن يستمر في حياة لايؤمن بها .

 * Dead poet society

المهرجان.. هيب هوب مصري أصيل

فن المهرجانات ، الذي لم يعد يخلو منه شارع مصري أو محطة تليفزيونية أو زفاف راقي أو شعبي ، فرض نفسه وبقوة على ساحة الغناء وللغرابة هو بالضبط كفن الهيب هوب بأمريكا رغم اختلاف الجغرافيا والظروف لكن يتشابه الفنان حد التطابق في النشأة والسمات الأساسية .

هناك 6صفات رئيسية يتشارك فيها الهيب هوب* والمهرجان

1- من قلب الفقر
المهرجانات حيث تُسمع ليل نهار في الأحياء الشعبية وعلى الموبايلات الشخصية بخاصة الصينية لرخص ثمنها وعلو صوتها ، خرجت من الأحياء الفقيرة والمعدمة ..
لا أحد يعلم على وجه الدقة من أين بدأت لكن كثيرين يؤكدوا إنها كانت في الإسكندرية على يد فريق الداخلاوية الشهير (نسبة إلى حي الدخيلة الشعبي).

الدخلاوية

2- بدأت جماعية
فالمهرجانات تتميز عن أي نوع آخر من الغناء الشعبي بتعدد المطربين الذين يكررون أسماء بعضهم البعض في الميكروفون للاشتباك سويا في الغناء والشهرة.

3 – سببها لهو الدي جي
فالمهرجانات أيضا كاهيب هوب، بدأت من الدي جي الذي يعزل ألحان مضيفا عليها الكثير من المؤثرات الكهربائية فيخرج الصوت كنغمة أو ريتم بصرف النظر عن الآلات الموسيقية.
ومثلما نشأ الهيب هوب من الراب + الموسيقي الإليكترونية فكذلك الراب المصري الذي لم يلق رواجا كبيرا نشأت منه المهرجانات باستخدام الموسيقى الإليكترونية ببرامج الحاسب الرخيصة.

4 – فيفتين سنت الأمريكي وفيفتي المصري
الأسماء المستعارة للمؤديين صفة أساسية في المهرجانات ، فيفتي ، المدفعجية ، أوكا وأورتيجا ، الدوشجية …الخ ، ولا يوجد سبب معروف لذلك.

5 – شباب روش طحن
بالضبط كالهيب هوب ، كذلك المهرجان يصدِر نموذج شباب الشارع ، المتحرر من التحفظ العام ، عدواني ، يظهر بملابس فاقعة ، تسريحات شعر غريبة ، تقليعات ألوان ملفتة للغاية .

6- المهرجان : أسلوب حياة
المهن التي يمتهنها مطربي المهرجانات دائما حرفية : سباك ، نجار ، سواق توك توك ،… الخ
اللغة وكلمات الغناء دائما ما تحتوي على سباب وألفاظ جريئة ؛ هي حياتهم وبيئتهم.
ففي الغزل على نواصي الشوارع : “ والبت عايزة تترازة .. عايزة شاب بحظاظة
طول النهار رايحة وجاية .. عايزة حبة حنيه” للشاعر صابر دربكة
وبعد الثورة كان مهرجان “إحنا شباب 25” أيقونة شباب السكوتر وهم يطوفون لإسعاف جرحى المظاهرات مطربي المهرجانات كذلك يتواصلون مع الأحداث الوطنية : مثل مهرجان اديك في النهضة
“ اديك وانا وسط الناس.. اديت خيري لحماس
اديك ثورتي بتضيع .. اد فز بقى يابديع
اديك من جوه العلبة.. والنهضة دي اكبر كدبة”

باختصار ،المهرجان هو ساحتهم للتعبير التي تعكس ثقافتهم وتفاصيل يومهم بكل صورها الاجتماعية والاقتصادية واحيانا السياسية .

لماذا المهرجانات هيب هوب مصري أصيل ؟
لأن الأغنية هي : لحن + كلمات + مطرب أو مؤدي
ومثلما خرجت الربابة من بيئتها الزراعية ، متناغمة مع الطبيعة والهدوء جاءت المهرجانات نتاج طبيعي لحياة المدينة الحرفية والصناعية في المناطق العشوائية والشعبية حيث الضجيج والزحام.
اما كلمات الأغاني فكثيرا ما يتهمها الناس بالإسفاف والابتذال ، لكن أليست هذه هي كلمات الحياة اليومية ، هي الكلمات المتداولة بين العامة وفي الشارع وبكل مكان حتى بالإعلام .والمطرب ابن بيئته ، شكلا وموضوعا وليس غريبا أو مدعيا .
المهرجان أصيل لأنه امتداد لفكرة التدوين والتوثيق الموجودة عند كل الشعوب وبالأخص عند المصريين منذ وثقوا على جدران المعابد الفرعونية ، ومثلما سجلت الملاحم الشعبية وتراث العديد** في الصعيد أحداث الفرد وسيرته، يبدو أن المهرجانات هم سجل مصريي اليوم ، فأصبح توثيق فرح أو حادث سعيد أو انتصار حارة على حارة أخرى في شجار يوثق ويسجل بالمهرجان وأسماء المشاركين، فمن يريد إعطاء هدية زفاف مثلا : يهدي مهرجان بأسماء العروسين لتوثيق الحدث ، فقد أصبح المهرجان آداة الغالبية لتوثيق حيواتهم المهمشة من الدولة والمجتمع.

الشارع هي بيئة المهرجانات أهل الشارع هم ناسها.
فالازدحام والضجيج عبء بيئي قاسي على الجهاز العصبي للإنسان ، يحيده ويتقبله جمهور المهرجانات بالتعود ، ربما هو فقط محاولة تطبيع مع الضوضاء والحياة القاسية للمدن  التي حولتنا لآلات ايقاع اليكترونية تماما مثل المهرجان.

 هبه يونس النيل
26 يوليو 2014


* ويكيبيديا ، عن موسيقى الهيب هوب
http://en.wikipedia.org/wiki/Hip_hop_music

** العديد : هو تراث شعبي خاص بصعيد مصر تقوم فيه امرأة بالأغلب كبيرة في السن بالنواح على الميت بنغمة تحمل الفاجعة وبارتجالية شديدة ، تعدد فيها مزاياه وخصاله الحسنة .

images (5)

هل الزواج قاتل أكيد للحلم ؟ هل هذا هو قدر تلك العلاقة القديمة للبشر ؟
هذا ما حدث في القصة العذبة يناير 1999 – يالا لكاتب الخيال العلمي / راي برادبوري صاحب الرواية الرائعة 451 فهرنهايت ، القصة رغم وقوعها على كوكب المريخ إلا انها واقعية حتى النخاع واقعية بنكهة أيامنا هذه ، فالسيد يال والسيدة يالا ، زوجان في بيت تقليدي توارثوه عن الجدود المريخيين القصار القامة وذوي البشرة البنية والعيون الصفراء الذهبية.. يصيبهم الملل الزوجي حتى تحدث الأزمة عندما تحلم السيدة يالا بقدوم رجل أبيض ، طويل وذو عيون زرقاء من الأرض : يدللها ويعلمها أغنية ترددها طوال الوقت اترك لي قبلة على الكأس الفارغة ولن أسألك عن ثمن المشروب وتصحبه طول الليل في الحلم فيسمع زوجها صوتها وهي نائمة قربه ، ويقرر بعد أن أشعلته الغيرة أن يقتل منابع الحلم فيخرج حاملا سلاحه للمكان الذي وصفته في الحلم ، تسمع هي طلقات السلاح ، ثم تختفي الأغنية من رأسها كأن لم تكن، وتبكي هي على ضياع حلمها منها للأبد.

مع كل من حولنا من أزواج وزوجات ، مع ما نراه ونسمعه عن مشاكل زوجية وخيانات ومعدلات طلاق مرتفعة للغاية وجرائم قتل ، ومع دراسات حديثة عن انخفاض معدلات الزواج بخاصة في الولايات المتحدة من 72% بعام 1970 الى 48% بعام 2011 طبقا لجهاز التعداد الأمريكي(1) .. وانخفاض سعادة المرأة المتزوجة في دراسة مفارقة انخفاض سعادة المرأة “(2) حيث يفضل الكثير من النساء في البلاد ذات الظروف المعيشية الجيدة للمرأة كأمريكا أن يظلوا عزباوات .. 

مع كل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الفرد والأسرة في مجتمعنا .. هل مازال بإمكاننا إقران الزواج بالسعادة .. كما اعتدنا في قصص الأمير والسندريلا؟ هل مؤسسة الزواج منبع سعادة حقا ؟ أم انها بعيدة تماما عن ذلك ؟

الزواج في عمومه بمخيلة الفتيات هو فستان أبيض وأطفال ، عند الرجل هو إشباع وتكوين أسرة .. وتحرص القصص الشعبية والخرافية على ترميم تجاعيد واقع الزواج بالأساطير والأحلام والخيال.
هو في تعريفه(3) : “ عقد بين خطيبين يلزمهم أمام المجتمع بحقوق وواجبات“ لكن لأي درجة يمكننا الإعداء أن أزواج وزوجات اليوم يطبقون هذا التعريف 24 ساعة باليوم ؟ هل يجدد الأزواج عهدهم يوميا مؤكدين لبعضهم رغبتهم في الاستمرار الصادق أم أن أغلب الزيجات تسير بالقصور الذاتي ؟
إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نؤكد انه بمعدل كل 5 زيجات هناك حالة طلاق واحدة ، فيما تؤكد جريدة الشعب(4) أن هناك حالة طلاق في مصر كل 6 دقائق.
Capture

السيد : يال بطل القصة ، رجل قديم الطراز ، غيور ، مراوغ لا يدخر وسعا في اللهو للاستمتاع اسبوعيا في مدينة العبث اكسيوفي البيت لايبرح كتابه الهولوغرافي اقرب للتليفزيون ثلاثي الأبعاديقرأ قصص الأزمان القديمة تاركا إياها في حرمان عاطفي مرددة كنت أتمنى أن يعزفني قليلا مثلما يعزف كتابه” .

لكن ، أليس هذا عينه هو واقعنا .. زوج يأكل ويجلس أمام التليفزيون بالساعات أو يجلس على القهوة مع الأصدقاء وزوجة وقتها كله بالمنزل ، ولا تجده معها .
هذا الحال شديد الشيوع بدلالة الولع العارم بالمسلسلات التركي الرومانسية البعيدة عن الواقع ، وبخاصة من سيدات البيوت ؛ ولع يدفعهن لمتابعة حلقات مسلسل تستمر لسنة أو أكثر متعلقين بالأبطال ومتعايشين معهم كالحقيقة .. فبهذه المسلسلات الخيال البعيد الذي يعوضهم عن الواقع الخشن.

أغلب الحبكات القصصية تجابه المفارقة أو الحدث المادي بالمعنوي ، فيسهب الكتاب في مشاعر البطل أو في رغباته الانتقامية أو إحساسه بالحب أو غيره لكن برادبوري وبإبهاره وعبقريته المعتادة يعكس التقنية القصصية رأسا على عقب ، ليواجه المعنوي بالمادي ويطلق البطل السلاح فعليا على مكونات حلم .
وليس هذا بعيدا عن مشهد فيلم طير انت الشهير (5): “مهند في بيتي تاني؟ ، ربما يعد الناس المشهد فكاهيا لكنه حقيقي تماما.. الزوج يغير وبشدة من ممثل تليفزيوني لأنه قانع انه يشاركه زوجته مشاعرها.

كثير من الأزواج في عالمنا العربي مثل السيد / يال ومثل الرجل الصعيدي في فيلم طير انت ..

قد تنحصر ردود أفعالهم عند ضيق أو غضب عابر ، لكن جرائم الشرف الكاذبة تنبئنا أن كثيرين منهم يأخذ أفعالا اكثر درامية بكثير من مجرد قتل حلم بالسلاح.

_______________________________________________________________

(1) موقع جهاز التعداد بأمريكا : http://www.census.gov/
(2) دراسة مفارقة انخفاض سعادة المرأة : http://law.bepress.com/cgi/viewcontent.cgi?article=2444&context=alea&sei-redir=1#search=%22paradox declining female happiness married women%22
(3) تعريف الزواج : http://en.wikipedia.org/wiki/Marriage
(4) خبر جريدة الشعب : http://www.elshaab.org/news/63201/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%A1-%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D9%83%D9%84-6-%D8%AF%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1?ref=legacy-url
(5) فيلم : طير انت
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D9%8A%D8%B1_%D8%A5%D9%86%D8%AA_(%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85)

هبه يونس النيل
يوليو 2014