Monthly Archives: November 2014

الذين فقدوا خيالهم

IMG_20141123_144737

مقدمة رواية كولن ولسون – طفيليات العقل

 التمرد على شكل الحياة الحالي واليأس من الخروج من حلقة الثور والساقية..
بلا ممتلكات تذكر .. بلا قيمة حقيقية أو معنى للوجود .
ذاك الذي عبس في وجهه العالم قد يكون زوج دوره فقط  بالحياة أن يكون خزانة اموال او شاب بائس موجود كعدد مهمل في المنزل  قد ينسوا عدّه .

غيمة الإنتحار الوبائي في مصروالشباب الذين يعلنوها على الملأ..
حياتكم مرفوضة .. عالمكم وهراءكم نلفظه كله ….
برواية ٤٥١ فهرنهايت يصل الناس لمرحلة الإنتحار شبه اليومي ، تلاحقهم السلطة البوليسية تغسل دمائهم وتعيدهم للحياة الممضوغة يجترون انفاسهم ، كعبيد لا يملكون حتى أن ينهوا حيواتهم..
عندها تصبح الحياة عبث×عبث ويوشك الصبية على قتل بعضهم و قتل  رجل بلا اي سبب ، فقط لتغير المزاج أو الحالة ..
يبرر راي برادبوري مؤلف رواية ٤٥١ فهرنهايت انهيار ذاك العالم بسبب إختفاء الكتب : حيث 451 درجة فهرنهايت هي الحرارة التي يحترق عندها الكتاب بحسب المؤلف، فيرى أن توقف الناس عن القراءة وإحلال التليفزيون محل الورق والحرف هو سبب ذلك الموت والإنتحار المعنوي .
ربما هذا عرض بدئي للمشكلة أو قراءة أولية للرواية لكن السبب كلما دققنا في السرد والمشكلة  اكثر عمقا.. يجسده بوضوح فيلم جاء بعد الرواية بعشرات السنوات : فيلم اختراع الكذب the   2009 – invention of lying ؛ وهو عن مدينة صادقة ، اهلها لايكذبون ابدا وبالتالي تخلو حياتهم من الإعلانات الكاذبة ، العلاقات الرومانسية بلا واقع ، تخلو من الفكاهة ، الطرافة و الادب ؛ فالأفلام بالمدينة هي عن حقب تاريخية حقيقية وسرد أحداث ..
هذا العالم الخالِ من المواساة والمجاملات سبب تعاسته اختفاء الخيال ،أو ربما هو الكذب الجميل بحسب الفيلم .
الخيال البشري هو خليقة الوعي الانساني الذي يصبه في كائنات كثيرة كالفن السابع ، الاغاني ، الروايات ، والشعر وغيره حتى الامل في حياة افضل هو شكل واقعي من اشكال التخيل .
و القصص الأدبية نوع من الخيال المقدم كسفير للمعاني المجردة بالضبط تطبيقا للتعريف الفلسفي للخيال فهو “الصورة المشخصة التي تمثل المعنى المجرد تمثيلا واضحا.- معجم الفلسفة ص547” .
ويتم تعريف الخيال انثروبولوجيا : بأنه “تجسيدانسان/حيوان/شيء وإضفاء صفات خيرة عليه و هدفه طرد الارواح الشريرة و. ص446 – معجم الأنثروبولوجيا “.
فالإنسان البدائي وصل ببساطة لكنهه الداء والدواء معا ؛ فالخيال عنده مصدر ووسيلة حياة..
فعرف ان الصورة/الخيال هي منبع لأمانه ، بجلب الحظ مثلا او طرد الشر.
لكن رؤية البدائي لقدرة الخيال العاتية تشمل تفسيرا أعمق ، فالخيال يعطينا امل+قيمة ، القيمة المكتسبة من الخيال والامل في غد افضل هو مايبقي لحياتنا والآمنا معنى .
ففقداننا لخيالنا بالضبط كفقداننا لظلنا يعني اننا اموات .
غياب الاحتمالات الاخرى للحياة..
تعاسة الوظيفة والمواصلات والجيران والاصدقاء ..
مصاريف المدرسة .. زحمة الشارع ..
وكله وجع يجب ان يقبلوا استمراره لسد الحاجات الاساسية من مأكل ومسكن .
فإنتحار الشباب ، هي لحظة قف ..
لم اعد اعبء بكل هذا ، لم اعد احتمل الاستمرار .. انا استسلم .
الخيال.الكتب.ربما الكذب لكنها كل مايبقيناعلى أمل فوق نصل الحياة القاتل.

جَلد

 

هو المتجول بخنجر في صدره ، بيوم طعنوه وفروا لم يستطع أحد أن ينزعه منه وأمره الأطباء أن يتركه محله ويتعلم كيف يرسم كل يوم وشما ملونا جديدا حوله ليصير جذابا..

 بادل سنواته التي تسقط في محدودية الحركة بوشوم مزركشة ،

واستقر ثم قرر على سبيل الفانتازيا أن يرسم يدا تقتلع المغروس فيه بحنو ..

 وعندما حدث .. وعندما استطاع..

كان ملح دمعه هو ما جَلد الجرح وأذبله.

قصة : من سير النعناع البري

هكذا هو

يفقد وحدته في أحضان الأشجار ، ناسك أو زاهد كما المحار لكنه لايكترث هو فقط يُسقط عنه وحشته هنا

.يمارس طقسه الصباحي في إحتضان الأشجار ، حتى الصبار لايخلو من حنوه

سار كثيرا ليحتضن شجرة النعناع البرية أعلى التلة.. لامسها وكانت الأروع : أوراقها .. رائحتها .. حنو أغصانها .. لم يدري بأي مما حوله كل ما حدث انه استيقظ ليجد ذراعيه تحتضن أجمل فتاة بالكون ، رائعة الشعر واللون والجسد ، ذُعر وهو الكهل البائس ثم اعطاها عبائته البالية..منحته نفسها مؤكدة انها امرأته التي تمناها ..

إبتاع لها بيتا وحديقة وسريرا ورديا ناعما ولم يكن يغادر البيت ، ولايملها أبداحتى نفذت نقوده وصار يجب ان يعمل وكان هذا سبب جنونه الملازم ، فكلما خرج عاد بعد ساعة او اقل في هياج  يبحث عنها بجنون يتلمسها ويتلمس وجودها.

تعب وأُرهق وضجر من ضغط الوله.

البعض وصف له ساحرا هنديا لم يصدقه ولم يكن يؤمن بهذه الاشياء الا انها الساعة ، اخبره الهندي انه يستطيع حبسها في ساعة يده واخراجها وقتما اراد.. ولدهشته .. حدث ، ابقاها محبوسة بين عقربين ولم تكن ترى النور الا في ظلمة الليل الشديدة عندما يكون الجميع نيام واحيانا كان يتركها خارج الساعة لساعات من النهار او حتى لنهار كامل حتى تمرح في البيت كما تحب.بقيت الاوقات والايام سعيدة ، تحرس هناءهما الساعة العتيقة .. في رسغه ثم حدث مالم يفكر به ، تعطلت الساعةولم يعد يستطيع حبسها ، سارع الى الساعاتي العجوز وهو يرتعد.. كان الساعاتي يرتدي غطاء التصليح عاكفاً على شيء ما ، فأعطاه اياها فقام ونزع عنه الغطاء لم يكن هو كان ابنه الشاب العائد حديثا من الجندية..توجس اكثر و لم يكن عنده حل ، اضطر لترك الساعة معه حتى يتم اصلاحها..وعاد

أما الشاب فقد ارتاب في الكهل الملهوف ، شيئا ما في جنونه اخبره انه يداري سرا كارثيا..تبعه للمنزل ، صعد وتلصص وتسمع وعندما خرج صباحا تسلل لداخل بيته وكانت امامه ، خفيفة بريئة وجميلة .. سقط في حبها فورا وكذلك هي وقرر ان يحوذ قربها باي ثمن بعدما عشقها بكلِّه.

استرد الكهل ساعته ولم يتم اصلاحها تماما ، ببعض الاحيان يتمرد العقرب ويرفض ان يدخلها فيه واحيانا يتمردد ويرفض أن يخرجها من الساعة….اكلته الريبة والشك وعلم بخبرة السنوات ان امرأته مع رجل آخر فقرر ان يواجههاعاد يوما منتصف النهار ليجدها بين احضان ابن الساعاتي.. لم يندهش كثيرا ولم يعترض.

سالها ان تختار ففعلت ولكنه رفض ان يقبل ، هاجم الشاب طعنه ثم سارع بادخالها في الساعة ، قام الشاب وعاركه ليأخذ الساعة.. لكنه القاها في نار المدفأة.فضل ان يبقيها رمادا معه على ان تعيش جميلته مع آخر..تحامل ابن الساعاتي وانتزع منه رمادها وحفظه معه في قنينة قرب القلب وعندما تعافى قليلا زرع رمادها حول جذور شجرتها ، شجرة النعناع البري.

ومازال يوميا يصعد التل ويسقي الشجرة منتظرا كل صباح أن تنبت منها الحبيبة أو أن يعانق رماده رمادها يوما ما.. بساعة ما…

وعاد الكهل يتلمس ونسه بين الأشجار ووسط الغابة بدون أن يقرب شجر النعناع البري.